اليمين المتطرف يقحم الجزائر في قضايا الإرهاب بفرنسا

+ -

انحرف النقاش في فرنسا حول تمديد حالة الطوارئ، ليدخل في متاهات تتعلق بحرب الجزائر التي يصر أقطاب اليمين المتطرف على استعادة تجربة بلادهم “القمعية” فيها، في مواجهة حالة العجز التي تظهرها أجهزة الأمن الفرنسية في وقف العمليات الإرهابية. احتوى تقرير برلماني فرنسي رسمي، أعدته لجنة القوانين الدستورية في الجمعية الوطنية لمناقشة تمديد حالة الطوارئ، على آراء شديدة التطرف فيما يتعلق بالإجراءات التي ينبغي اتخاذها من السلطات الفرنسية لوضع حد للعمليات الإرهابية المتتالية منذ بداية سنة 2015، ووصل الحد ببعض الوجوه المحسوبة على اليمين المتطرف، إلى اقتراح الدخول في حرب مباشرة مع الإرهابيين باستعمال مصطلحات تعمم هذه الظاهرة على كل من ينتمي إلى أصول إسلامية.وفي هذا السياق، أبرز جاك بومبارد، النائب المعروف بعدائه للجزائر والوجه السابق في “الجبهة الوطنية”، قائلا: “العالم كله يتفق على أن فرنسا في حرب، وهو فعلا ما يجري. أضيف أن هذه الحرب تذكرني بأخرى، هي حرب الجزائر التي انتصرنا فيها، وربما لم نعد قادرين على تكرار هذا الانتصار في سياق التحلل الحالي. إنه من الضروري أن تعطي الدولة كل الإمكانيات من أجل أن تقود حربا حقيقية، إذا كانت تريد امتلاك الحظوظ للفوز بها، لأن القيام بالحرب هو دائما مرعب، لكن الأرعب من ذلك هو خسارتها”.ولم يتوقف كلام هذا النائب الذي ينتمي إلى “رابطة الجنوب” المحسوبة على اليمين المتطرف عند هذا الحد، بل راح يقذف بكلام شديد العنصرية في حق الجالية ذات الأصول العربية والإسلامية، حينما قال: “إن الإرهاب هو في جزء منه نتيجة فشل الإدماج، وهو ما ينبغي التساؤل عنه. أحد أعضاء الأغلبية النيابية، ذكر أن أصولي إيطالية. لو كان لدي هذه الأصول، سأكون فخورا. مضى وقت لم نكن بحاجة أصلا لسياسة إدماج، فقد كان ذلك يتم تلقائيا، لأن الأشخاص القادمين إلى بلادنا، سواء كانوا إيطاليين أو إسبانيين أو برتغاليين أو بولونيين، كانوا سعداء عندما يأتون للعمل عندنا ويندمجون بسرعة، حبا في هويتنا وإرثنا”.وتابع مشيرا بإصبع الاتهام إلى من يتوهم أنهم سبب الإرهاب في فرنسا قائلا: “الأمر مختلف اليوم، فالأشخاص المنحدرون من الهجرة يشعرون بالعار من الجنسية الفرنسية. وفي مواجهة هذه الظاهرة، تتبنى فرنسا سلوك من يشعر بالذنب، تترجمه في سياسة “التمييز الإيجابي”، وهو ما ينظر إليه هؤلاء المهاجرون على أنه عقاب لفرنسا عن خطأ ارتكبته في السابق”.صنصال يشجّع العنصريينهذا الكلام الذي صار يردد بشكل عادي تحت قبة البرلمان الفرنسي، يبين مدى استسهال “الخطاب العنصري” في المؤسسات السيادية لبلد يقوم دستوره على المساواة الكاملة بين المواطنين، ويحظر كافة أشكال التمييز التي تناقض هذا المبدأ. وقد ارتفعت حدة هذا الخطاب الذي لا يميز بين المسلمين والإرهابيين، في الفترة الأخيرة خاصة بعد الهجمات التي استهدفت مدنا في فرنسا، وهو ترصده يوميا وسائل الإعلام ومراصد مكافحة العنصرية من تحرشات بذوي الأصول العربية والإسلامية تحديدا.وأصبح أنصار هذا الخطاب الذي يلوكه ممثلو الجبهة الوطنية لمارين لوبان أو غيرها من التنظيمات التي تفوقها تطرفا، يجدون في بعض كتابات ذوي الأصول العربية مادة لدعم أفكارهم وفق منطق “وشهد شاهد من أهلها”، فالمقالات والروايات التي ينشرها الكاتب الجزائري بوعلام صنصال، تصب تماما في هذا الطرح “الاتهامي” الذي ينال من المسلمين. وقد صدم هذا الكاتب، كثيرا من الجزائريين عندما راح يشبه اعتداء نيس الإرهابي بالأفعال التي كان يقوم بها ثوار “معركة الجزائر” في كفاحهم ضد المستعمر، في محاولة لخلق الالتباس في الأذهان بين نضال تحرري واضح الأهداف وإرهاب أعمى يستلذ بقتل الأبرياء. وهذا الكلام في مجمله يتماهى تماما مع ما قاله النائب المتطرف بومبارد حول حرب الجزائر، إن لم يكن مستقى منه.وأمام هذا الهجوم الشرس لتيار اليمين المتطرف على المسلمين باستغلال الظرف الذي يصب في صالحه، يبدو صوت اليسار الفرنسي خافتا ولا يكاد يظهر للإتيان بنقيض هذا الخطاب. ففي نفس التقرير، يتجنب العضو البارز في الحزب الاشتراكي الحاكم، باتريك مينوشي، الدخول في صدام مع أطروحات اليمين المتطرف. ويحاول الاستشهاد على طريقته بالجزائر، لكن في موقع مغاير عن خصومه اليمينيين، فيقول: “يجب علينا النظر إلى المثال الجزائري في فترة العشرية السوداء. لا أقارن بالطبع بين ما تعيشه بلادنا، وبين بلد تكبد 200 ألف قتيل، لكن ينبغي الوقوف على الطريقة التي عزل من خلالها المجتمع الجزائر تنظيم “الجيا”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات