+ -

بعد أزيد من 5 سنوات من الغياب في الساحة الفنية، يعود فارس الأغنية القبائلية عمور عبد النور إلى الواجهة من جديد، بعدما قرر الانسحاب واعتزال الغناء لأسباب شخصية. محبوه استقبلوا خبر عودته إلى الغناء بفرح كبير، خاصة أن عمور عبد النور تربطه علاقة سرية بجمهوره لم تتزعزع منذ 45 سنة تاريخ بدايته الغناء. في هذا الحوار الذي خص به “الخبر”، عاد الفارس إلى السنوات الأولى لاقتحامه الفن والأسباب التي دفعته للاعتزال.5 سنوات كاملة تمر على غيابكم في الساحة الفنية. هل هي عودة حقيقية إلى الغناء بعد طول الغياب؟ حقيقة، في لحظة ما من مشواري الفني واجهت مصاعب عديدة كادت تعصف بأزيد من 45 سنة من الغناء، وقلت في نفسي سأعتزل ولن أعود أبدا إلى الغناء لاسيما إلى الإنتاج.مررت بمراحل صعبة في حياتي، منها ما تعلق بوضعيتي الصحية إذ عانيت من المرض، أضف إلى ذلك وضعية الأغنية القبائلية التي لم تعد مصدر إمتاع أو كسب، لم تعد تجذب المستمعين، فقدت قيمتها وأصبح من هب ودب يصدح ويغرد، وفقدت المكانة التي كانت تحظى بها في قلوب الجزائريين. هذا الغياب الطويل يمكن تفسيره بدوافع شخصية دفعتني إلى الانسحاب والتفكير جديا في الاعتزال، رغم قناعتي المطلقة أن الأغنية القبائلية هي حياتي، قررت عدم العودة نهائيا، لكن تفطنت بأن الفن هو مرض مزمن غير قابل للعلاج النهائي، ولن أقول إن الجمهور هو من طلب عودتي رغم أن عددا كبيرا من محبي لم يتوقفوا لحظة عن مطالبتي بالصعود من جديد إلى المنصات الكبرى لأمتعهم بأحسن ما جادت به قريحتي.أكيد عودتكم تحمل الجديد.. بالطبع، لما فكرت في الاعتزال شاع الكلام بأن قريحتي قد جفت وقوة الإلهام قد ضعفت، وأني لم أعد قادرا على الإفادة، طبعا كل هذا غير صحيح، والأسباب الحقيقية التي دفعتني لأفكر في الاعتزال قد ذكرتها سالفا. عودتي جاءت بألبوم جديد بعنوان “أريتسيد” أي بمعنى “أعدها” وقصدي أن الشيء الهام إذا ضاع انتهى ولا يمكن استعادته، فالوفاء للوطن أو للحبيب إن ضاع لا يمكن أبدا استرجاعه. واسمح لي أن أعود إلى الألبوم الأخير الذي يتضمن 7 أغاني لم تخرج عن طبع عمور عبد النور، منها أغنية “أعيدها”.مشوارك الفني يمتد على مدار 45 سنة. هل من تقييم له؟ مشوار طويل وثري، لكني لم أسيره كما أردت أو تمنيت، فحياة الفنان لا تتوقف عند تأليف الأسطوانات وجلب اهتمام الجمهور أو إمتاعه، المشوار يجب أن يكون كاملا من الناحية الفنية، بمعنى المشاركة في الواجهات الكبرى داخل وخارج الوطن، في القاعات الكبرى وفي شاشات التلفزيون، هي في الأصل الوقود الحي للفنان حتى يستمر في بذل الجهد. سمعت أن المطرب المعروف “جاك برل” ينظم 280 حفل في العام، بمعنى حفلين كل 3 أيام، أما نحن فأحسننا من يحظى بحفلين في العام! عندها تدرك حجم الكارثة و “الميزيرية” التي تخيم على حياة ومستقبل الفنان الجزائري، وأين مكاننا في القاعات الكبرى، في حياتي نظمت مرة واحدة حفلا كبيرا بقاعة “زينيت” في باريس، ومرة أخرى وحيدة بقصر المؤتمرات، وأخرى في كازينو باريس، وأنا هو المطرب القبائلي الوحيد الذي حام حول هذه القاعات كلها، وأعتبر هذا قليلا جدا فأنا لم أدخل قاعة الأولمبيا. وفي الجزائر العاصمة ورغم شهرتي ومشواري الطويل لم تتح لي الفرصة أبدا أن أقابل الجمهور في قاعة كبيرة، ولو أني في سنة 1985 وبدعوة من لجنة الحفلات لبلدية الجزائر قدمت عرضا بملعب واقنوني وحسين داي والحراش، لكن هذا غير كاف، حتى قاعة الموقار التي تتسع لحوالي 600 مقعد لم تُتح لي أبدا، ولا أتحدث عن قاعة الأطلس، وهذا لا يعني أني تقاعست ولم أطلبها، بل فعلت لكن دون جدوى، تخيل فنانا يتعدى مشواره 46 سنة ويفشل في تنظيم حفل في عاصمة بلده! إنها قمة المأساة والخيبة.خلال السنوات الأخيرة شاع الكلام عن تراجع فظيع في تشجيع الإبداع الفني. ما قولكم؟هذا صحيح، ولكن جزءا من المسؤولية يقع على عاتق وسائل الإعلام، كان حلمي الكبير منذ صغري أن أصبح مطربا، لما كان عمري 13 سنة بدأت أناملي تصنع الألحان الشجية من وحي قيثارتي القديمة، كنت أستعين وأستمتع بالناي التقليدي، الموسيقى تجري في دمي، كنت أنشط حفلات في الأعراس بمنطقة لفلاي ومع شباب المنظمات الجماهيرية، مثل شبيبة الأفالان، كنا ننظم سهرات إلى غاية الصبح، كنت أفعل ذلك بدافع الحب للأغنية، وسعادتي تكتمل لما ألتحم بأبناء قريتي الذين صنعوا مجدي برسائلهم التي بلغت مختلف بقاع الأرض، بفضلهم وقفت في قاعة زينيت، وبفضلهم أنا اليوم مطلوب في فرنسا وكندا وأمريكا ومختلف دول العالم. هكذا سطع نجمنا في القاعات والحفلات، ولكنه أفل في الإذاعات ولا أعرف لماذا. في الماضي لما كنا نصنع مسيرتنا لم نلق الدعم الكافي من الإذاعات وكانت جميع الأبواب مغلقة، لماذا؟ كانوا حقا يشجعوننا على الاحتراف في الغناء، لكن بطريقة أخرى، أتذكر ذلك اليوم لما سجلنا لأول مرة في حصة “مطربي الغد” بالقناة الثانية، رغم أني شعرت بأني أبدعت وغنيت بشكل جيد مع جوق كبير متكون من أوشيش بلعيد، محمود أونزا، عليان، شيخ ناموس، وغنيت مثل الكبار، ومع ذلك لم أكن من الناجحين، انقطعت بعدها عن أجواء الإذاعة لأزيد من 8 سنوات، أدركت خلالها أن الغناء في الإذاعة ليس سخرية مثل ما يحدث اليوم، وهو ما دفعني للتعلم أكثر، تمكنت على إثرها وبمساعدة المايسترو شريف خدام من اقتحام الإذاعة من أبوابها الواسعة ولا أزال إلى اليوم أتعلم.واليوم؟ اليوم تغير الحال، لكني أعتبر هؤلاء الشباب ضحية ولا يحق تحميلهم المسؤولية، يكفي أن يتوفر أي شاب على مبلغ 5 ملايين سنتيم واستوديو للتسجيل وكلمات لمطرب سابق وإعادة لحنها ليصنف من معشر المطربين، البعض يستولي على الموسيقى ويعدل بشكل طفيف نوع اللحن، وأنا ضحية مثل هذا التجاوز، أتذكر أني ألّفت موسيقى لأغنية لي، فعدَّلها أحدهم وألف بها أسطوانة ونجح في المهمة، تعرفون اليوم أجهزة التسجيل متطورة جدا يمكنها التلاعب بالأصواتوالموسيقى، وهو ما يريده المطربون الجدد. وما يعقد الوضع أنه في الجزائر اليوم لا يوجد ناقدون للأغنية كما في الماضي، وهو ما يشجع على التقليد الأعمى والسرقات وغيرها، لما نرى عملا مقبولا نصفق له، وفي حالة العكس نقول الحقيقة، ليس مقص رقابة ولكن ميثاق أخلاقية المهنة، النقد مهم جدا، ويجب أن يكون بناء. بالنسبة لجيلي أنا فالحديث عن الماضي وليس الحاضر، كان يكفي أن تمر مرة واحدة في الإذاعة الوطنية حتى يذاع اسمك ويشاع، لأن الطريق المؤدي إلى مبنى الإذاعة محفوف بالأشواك، وقليل الكفاءة لن يعبره أبدا، أما اليوم فالمطربون كثيرون ولكن النوعية قليلة، ووسائل الإعلام الثقيلة تفتح أبوابها لكبار المطربين دون غيرهم، وهو ما يعني أن الجيل الجديد لن تفرش له الأرض بالبساط الأخضر، لذا فعمل كبير ينتظر من يريد أن يقتحم العالم الجدي للأغنية الأمازيغية.هل أنت من فئة الوقوف مع الجمهور ظالما أو مظلوما؟ تقصد أغني ما يطلبه الجمهور!؟ لا أعتقد ذلك ولا أفكر في الأمر إطلاقا. أنا فنان حر كل ما تعصره قريحتي ينبع من صميم قناعاتي، أنا بكل صراحة أغني عن كل ما يعترض بصري وأندد بما أراه غير عادل، ولا يهمني إن أعجب البعض ورفضه البعض الآخر، أقوم بواجبي كفنان وفقط.سيدي. محبوك يلقبونك بالفارس لكنهم يجهلون نضالك من أجل ترقية الأغنية الأمازيغية.. ربما يجهلون ذلك لأن الجيل الحالي من الشباب المهتم بالموسيقى مولع بأصناف غير تلك التي ضحينا من أجلها، فيما يخصني نضالي وكفاحي لترقية الأغنية القبائلية هو التزام رغم أني لست مطربا ملتزما، الفن الغنائي هو أولويتي وهو فوق كل اعتبار، أنا فنان، أغني وأندد بكل ما أراه غير صالح للمجتمع، في سنوات الستينات والسبعينات اعتبرت أن القبائلية أو الأمازيغية ضحية قمع وطمس من قبل السلطة، فغنيت ونددت بذلك ولم أخف لومة لائم، هو واجب وقناعة.اسمك كان مقحما في قضية واضعي القنابل بالعاصمة وتم اعتقالك.. عفوا.. لم أكن ضمن مجموعة واضعي القنابل، ولكن بالفعل تم اعتقالي في نفس الفترة، لأني بكل بساطة كنت أغني بالقبائلية، وكنت الوحيد في السبعينات الذي يغني للقضية الأمازيغية ويناضل من أجل ترقيتها، في فترة كان المناضلون يعدون على أصابع اليد الواحدة، والأمر يتطلب شجاعة كبيرة والتزاما أكبر.. عانينا ما عانينا، النضال من أجل القضية الأمازيغية كان محصورا في الجامعة، والحديث باللغة الأمازيغية في وسط العاصمة آنذاك يعني فتح أبواب السجن بيديك. أما اليوم فمن هب ودب يدعي الكفاح من أجل الأمازيغية لكن وراء الكثير منهم أطماع تجارية ومادية.أغلب الفنانين أهملوا الأغنية الأصيلة وسقطوا في فخ التجارة.. لا لست موافقا على هذا الطرح، الفنان هو الذي يعمل ويجهد من أجل خدمة الفن وليس لإرضاء هذا أو ذاك، المهم هو التعبير عن الشعور، هناك مثال لموسيقار كبير وضع مقاطع موسيقية شهيرة لكنها لم تكسب رضا الجمهور، ولما مات الفنان أدرك الجمهور حقيقة المقاطع التي تحولت اليوم إلى روائع عالمية وأبدية، لأن الموسيقار عمل واستمر في عمله ولم ينزل إلى مستوى من كان يجهل قيمتها.كلمة أخيرة..أنا مطرب ملتزم بالدفاع عن القضايا العادلة، وأعتبر قضية مجمع “الخبر” عادلة، لهذا أعلن تضامني مع عمال “الخبر”، والتزامي بالدفاع عن حرية التعبير والرأي والتفكير، وأوضح أن حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين. أتمنى من صميم قلبي أن تمر هذه العاصفة بردا وسلاما على “الخبر”.   من هو “بلبل الصومام” الفنان عمور عبد النور؟ ولد عمور عبد النور يوم 17 فيفري 1952 بدوار آيت وغليس بقرية لفلاي، اقتحم عالم الموسيقى والغناء، فقد كان يؤلف بعض المقاطع الموسيقية لما يرافق والده إلى الحفلات والأعراس، وحيث كان يتقن الناي. استطاع عبد النور أن يؤلف أول مقطع موسيقي له وعمره 6 سنوات، كان مولعا بأشعار طاوس عمروش والأغاني الثوريةللفنان الكبير علاوة زروقي صاحب ملحمة “أمي اصبري ولا تبكي فالثأر لك يأتي لا محالة”. في سنة 1969 استطاع أن يؤلف أولى أغانيه قبل أن يقتحم عالم الشهرة بنجاحه في الولوج للإذاعة الوطنية، حيث أبدع بأغنيته الشهيرة “أميس نتمورثيو” أي “ابن بلدي”.اعترف بفضل الإذاعة فيما بلغه، وشرع بعدها في إنتاج الأسطوانات الواحدة تلو الأخرى، قبل أن يحين وقت غزارة الألبومات، وكان آخرها بعنوان “أريتسيد” الذي يتضمن 8 أغاني، وقبلها بـ6 سنوات كان قد ألف ألبوما بعنوان “أوغالد” (ارجعي) الذي يتضمن بدوره 8 أغاني. يشاع عن عمور عبد النور أنه مطرب النساء، باعتبار أن النساء أكثر إقبالا على الاستماع لأغانيه العاطفية والاجتماعية، بينما يلقبه محبوه من الشباب بفارس الأغنية القبائلية. وبعد 46 سنة من العطاء المتواصل، لا يزال عبد النور مثل الرحالة بين القرى والمداشر والمدن يصدح بأغانيه الجميلة.   

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات