+ -

 أردوغان في تركيا جعل من مطلب عدم تدخل الجيش التركي في الحياة السياسية مطلبا شعبيا. والأمر نفسه كان في الجزائر عندما جاء الرئيس بوتفليقة إلى الحكم سنة 1999. لكن أردوغان كرّس هذا المطلب الشعبي في تركيا عبر سلسلة الانتخابات غير المزورة التي كرست إرادة الشعب التركي في أخذ زمام أموره السيادية بيده.. وهذا لم يحصل في جزائر بوتفليقة مع الأسف.. حيث واصل الجيش تأثيره في الحياة السياسية الجزائرية.. حيث تدخل الجيش في 2004 لحسم الانتخابات بالتزوير لصالح بوتفليقة، وتدخل أيضا الجيش بسكوته عن عملية تغيير الدستور سنة 2009 بما يسمح للرئيس بوتفليقة بأن يترشح للمرة الثالثة.. وفي 2014 كان الجيش أيضا وراء ترشح الرئيس بوتفليقة، رغم مرضه، للعهدة الرابعة!كل هذه الوقائع جعلت الشعب الجزائري يطالب الجيش بالكف عن التدخل في الحياة السايسية... بل ويطالبه بأن يساعد البلاد في التخلص من الواجهة السياسية التي نصبها الجيش سنة 1999.لهذا باتت في الجزائر المطالبة بتدخل الجيش مطلبا شعبيا، على اعتبار أن الجيش في الجزائر أصبح هو الخصم والحكم في نفس الوقت في قضية شرعية السلطة. في المدة الأخيرة ظهرت بوادر تدل على أن الجيش يمكن أن يستجيب لمطالب الشعب في قيادة مرحلة انتقالية.. لكن أحداث تركيا قضدت على هذه الفكرة من الأساس.. أو أنها أصبحت محل تفكير جديد فيها كحل لما نحن فيه من أزمات. لهذا سارع الرئيس بوتفليقة بإرسال رسالة إلى أردوغان قال له فيها: “إنه بإمكانه مساعدته”! ولسنا ندري بماذا تساعد الجزائر تركيا أردوغان؟!وتناغم مع هذا الطرح زعيم الأرندي في تصريحاته في وهران! لكن زعيم الأفلان سعداني لم ينطق ببنت شفة في الأمر.. وهو ما يدل على أن جماعة الحكم قد انقسمت إلى نصفين.. ثلاثة في كل صف... الرئيس وأخوه وأويحيى في الرئاسة، وقايد صالح وسلال وسعداني في الجيش والجبهة، مع تقاسيم أخرى في الإدارة والبرلمان ومجلس الأمة.أحداث تركيا كانت جرعة أوكسجين لجماعة الرئاسة من أجل المواصلة بالرئيس بوتفليقة رغم مرضه إلى 2019. وأجبرت خصومه في الحكومة والجيش الذين بدأوا يبحثون عن حل على طريقة سوار الذهب في السودان أو بن علي مع بورقيبة في تونس، أو حتى العماري مع زروال في 1999. وقد التقط المغرب الشقيق هذه الإشارات فأرسل مسؤول أمنه إلى الجزائر ليضرب عدة عصافير بحجر واحد.من جهة، يجند الجزائر في التعاون الأمني خوفا من أن تتهاون الجزائر مع الدواعش المغاربة، فيقومون بشيء يضرب السياحة في المغرب، خاصة بعد ضربها في ليبيا وتونس ومصر وتركيا وفرنسا.. ومن جهة أخرى، تقوية حظوظ المغرب في طرد البوليساريو من منظمة الوحدة الإفريقية والإحلال محلها.الواقع أن ما يقع حولنا من أخطار، وما يتفاعل بيننا من مخاطر، يجبر جناحَي السلطة على تأجيل خلافاتهما لمواجهة المصير الغامض الذي ينتظر البلاد في المنظور القريب.. لأن خلافهما لا يعجّل بانتصار أحدهما على الآخر قدر ما يعجل برحيلهما معا، حتى ولو قام الرئيس بوتفليقة بإجراء عملية جراحية عميقة في قيادات الجيش والحكومة لاستئصال أورام تركية وتونسية في الحكومة والجيش.. ولكن مع ذلك تبقى الجزائر حبلى بكل الاحتمالات.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات