+ -

لديك قراءة خاصة طورتها بخصوص القانون العضوي للانتخابات، الذي تعتبره خطيرا على وحدة الجزائر.. ما هي أبرز الأفكار التي خرجت بها؟ المبررات المقدمة من السلطة هي أن هذا القانون هدفه “تطهير” الساحة السياسية. استعمال هذا المصطلح “تطهير” في حد ذاته ينطوي على عنف شديد، لأن صاحب الصلاحية في التطهير هو المجتمع وحده. هذا ما يبين أن فلسفة القانون مبنية على “قوة الإدارة” في مواجهة خصم هو “المجتمع”.في المحتوى لدي عدة انتقادات. أولا: هذا القانون يستند في الجانب الإجرائي والتقني لعملية الترشح إلى مرجعية انتخابات 2012 التي يعلم الرأي العام الوطني أنها مزورة لصالح أحزاب في السلطة وحتى في المعارضة، لجعلها مجرد تابع للسلطة. هذا ما يطعن تماما في مصداقية الانتخابات المقبلة. أضف إلى ذلك أن الرأي العام بغض النظر عن مسألة التزوير يتطور ويغيّر رأيه، ومن كانت له الأغلبية في 2012 قد لا تكون له في 2016، فكيف نبني على النتائج الماضية؟ثانيا: هذا القانون عبر نسبة 4 بالمائة التي فرضها للترشح، يحوّل الأحزاب إلى تشكيلات سياسية باحثة عن مناطق “وجود” و«نفوذ” في رقع جغرافية معينة. وبذلك تصبح الأحزاب حتى تبقى في الوجود، مجبرة على الالتحام بقبيلة معينة أو خصوصية دينية أو جهة معينة، وعلى المدى المتوسط تبدأ الأحزاب في مغازلة الحركات المحلية والمطالب المحلية ومساومة السلطة بذلك. خطورة ذلك تكمن في أن الأحزاب ستتخلى تدريجيا عن مشاريعها السياسية من أجل البقاء بالركوع والخضوع للخصوصيات المحلية، وهو ما يمهد لتحول سياسي يضع وحدة البلاد في خطر.ثالثا: مشكلة هذا القانون في أنه يجعل من الاستحالة على الأحزاب مراقبة الانتخابات على مستوى جغرافيا الوطن الواسعة. وعلى هذا الأساس تصبح الإدارة هي الوحيدة التي يمكنها التحكم في العملية الانتخابية ومجرياتها ونتائجها، وبالتالي ستكون الإدارة هي أكبر حزب سياسي في البلاد، بعد أن كان ذلك للدياراس في السابق. وعندما تكون الإدارة خاضعة لإرادة الأشخاص أو السلطات السياسية، فإنها تأخذ مكان المجتمع وهي من يقرر توزيع المقاعد على من تشاء. المفارقة أن الجزائر بذلك ستكون هي البلد الوحيد الذي فيه أكثر من حزب واحد.وماذا عن الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات التي تمت المصادقة برلمانيا على القانون العضوي الخاص بها؟ ما لفت انتباهي أنه في عرض الأسباب المتعلقة بإنشائها ذكر أن لهذه الهيئة صلاحية “الإشراف”. من وضع هذا المصطلح يؤكد أن ثقافته السياسية منعدمة، لأن “الإشراف” يعني أن ثمة قوى عظمى تشرف على انتخابات شعب ضعيف، كما فعلت أمريكا عندما نظمت انتخابات في السودان أو العراق. مشكلة هذه اللجنة بتجاوز هذه الإشكالية هو في أن تركيبتها البشرية وفي صلاحياتها، فهي ليست مستقلة لا في الأولى لأنها معينة من الرئيس، ولا في الثانية لأنها خاضعة للسلطة. هذا القانون في اعتقادي جاء فقط لمراوغة المعارضة التي ينص مطلبها بوضوح على إنشاء لجنة تنظم الانتخابات من ألفها إلى يائها.ذكرت في تحذيرك من قانون الانتخابات، أنه يكرّس الجهوية. يحدث ذلك في ظل ظهور حركات تتبنى مطالب انفصالية.. هل تخشون من أن هذا القانون سيشجع هذه النزعة؟ بالطبع.. ليس في منطقة القبائل وحدها، فالكثير من مناطق الجزائر أصبحت بؤرا حقيقية للانفصال. الأفكار الانفصالية والحركات المتطرفة تتبنى غالبا خصوصية دينية أو إثنية محلية، وتزدهر في ظل الفراغ السياسي وانعدام الحريات. والدليل عندما تكون الوساطة السياسية والاجتماعية فعالة ويكون المجتمع المدني بكل مؤسساته له تأثير على المجتمع، تضمر هذه الحركات وتزول. لكن عندما تكون مؤسسات الدولة فاقدة للشرعية والمصداقية، وعندما تصبح الأحزاب أدوات لترويج الأكاذيب، تستثمر الأفكار الانفصالية في هذه الفراغات فتؤدي إلى مخاطر انهيار المجتمع والدولة. لو حاولنا بكل مسؤولية وشفافية تحليل وتقييم مضمون هذه المخاطر على المستوى الوطني، لوجدنا مثلا بأن المواطن يتعايش في غرداية أو منطقة القبائل أو في الجنوب، مع أجهزة الدولة على أنها مؤسسات شبه استعمارية. الحل ليس فقط في إبراز قوة الدولة بالمفهوم السائد، فقوة الدولة الحقيقية تكمن في قوة العدالة ومتانة الحريات، أما النظرة البوليسية لتسيير أمور المجتمع، قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. ولتخفيف هذه المخاطر لا بد من إعطاء الإمكانية للنخب والجمعيات والأحزاب، ليكون لها تأثير فعلي على المجتمع عبر حرية المبادرة والعمل.في ظل هذا الفراغ السياسي الذي تتحدث عنه، يفرض الحديث عن مؤسسة الجيش نفسه. البعض يتحدث اليوم عن طموحات سياسية لقائد الأركان، ما رأيك في ذلك؟ يفترض على المؤسسة العسكرية أن تكون بعيدة عن السياسة والضامنة لأمن ووحدة الجزائريين. لا أخفيك أن أعتقد بوجود تراجع وانزلاق في المؤسسة العسكرية من موقعها كمؤسسة لكل الجزائريين إلى مؤسسة تخضع لأطراف سياسية معينة. عندما بعث قائد الأركان رسالة إلى مؤتمر حزب سياسي مساندا قيادته (يقصد رسالة ڤايد صالح لسعداني)، فهذا انزلاق وتعد على الوظيفة الدستورية للمؤسسة. الأمر الآخر أن هذه المؤسسة كانت دائما في قلب الأحداث التي عرفتها الجزائر منذ 62، خاصة بعد وقف المسار الانتخابي في 91، من المفروض أن تنعكس هذه المراحل وهذه المأساة على دور المؤسسة العسكرية، بحيث تنسحب من المشهد السياسي، لأنها تبقى العمود الفقري للدولة الجزائرية، وإذا أصيب العمود الفقري فإن صاحبه يصاب بالشلل.ما هو تفسيرك لارتفاع نبرة الأفافاس في مهاجمة النظام بعد فترة من الهدنة، قياسا إلى فترة الترويج لمبادرة الإجماع الوطني؟ هو مجرد تكتيك سياسي الهدف منه محاولة تبرير مواقف سياسية سابقة في السنوات الماضية، وتبرير مسبق أيضا لما ينوي الأفافاس الحصول عليه مستقبلا. أدقق كلامي: الأفافاس في هذه المرحلة، قبل الانتخابات، يريد أن يعطي صورة أنه استعاد الراديكالية السياسية التي كان عليها، لتبرير موقفه أمام الرأي العام. لكنه من جهة أخرى يلين لهجته مع رجالات السلطة ليترك لنفسه صفة المعارض المقبول الجاهز، لتقديم خدمات للسلطة، وهذا من أجل الحصول على مزايا مستقبلية.قد يراك البعض شديد التحامل على الأفافاس. ما هو دليلك على ما تقول؟ دليلي هو سكوت الأفافاس أمام ملفات الفساد الخطيرة. سكوته عما تكابده الصحافة من قمع للحريات. هل يعقل أن يسكت الأفافاس عن فضيحة “بنما بيبرز” وهو الحزب الذي يقول عن نفسه إن له وجودا كثيفا في الخارج، ولم يتحرك إطلاقا لمحاسبة هؤلاء المسؤولين وتنصيب لجان التحقيق. هذا السكوت في اعتقادي له خلفية وحتى السلطة تلعب على هذا الوتر، فهي تريد من الأفافاس أن يكون شريكا لها في بناء معارضة معتدلة على هواها. الأفافاس بهذا التكتيك يريد الحصول على مقاعد في البرلمان والمجالس البلدية والولائية خارج منطقة القبائل وربما مقاعد في الحكومة. أي أن المقاعد التي كانت تعطى للأحزاب في إطار الديكور السياسي قد تحول للأفافاس الذي أبدى قابلية واستعدادا. وبذلك تكون السلطة قد سددت رأسمال وفاة حسين آيت أحمد على شكل مناصب سياسية للأفافاس. أقول إن غياب الدا حسين، يجعل من الأفافاس اليوم كالأنثى التي يتصارع عليها المفترسون الأكثر وحشية.بشأن حزبك الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي.. هل حصلت على ضمانات لمنحك الاعتماد؟ 3 سنوات تمر على إيداعنا الملف ولا جديد يذكر، رغم وعود وزير الداخلية السابق، الطيب بلعيز. حاليا عاودنا الاتصال بالداخلية بعد مجيء السيد نور الدين بدوي وقدمنا له شكوى ومازلنا ننتظر رده. شخصيا أتمنى أن يأخذ الوزير بعين الاعتبار مطلبنا.لا يمكن إنهاء هذه المقابلة دون الاستماع لرأيك حول جو الحريات العام الحالي؟ أغتنم الفرصة لأجدد تضامني مع مجمّع “الخبر” وأهنئ سجناءه بالإفراج. ما يجري من مضايقات هو محاولة لإسكات المنابر الحرة رغم اعتماد دستور يتحدث عن الحريات، واللجوء إلى هذه السياسية هو دليل فشل وخوف يسكن النظام. هذا ببساطة مؤشر على انتهاء السلطة، ويذكرني بمقولة لفيكتور هيغو: الشرطة في كل مكان والعدالة غائبة عن كل مكان.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات