38serv

+ -

بعد دخول نشاطهم مرحلة حاسمة بعد تنصيب سلطة ضبط النشاط السمعي البصري الشهر الماضي، يتساءل المتعاملون في مجال السمعي البصري عن مصير استثماراتهم المقدرة بالملايير، وإلزامية تكيفهم مع بنود دفتر الشروط المحدد لكيفية استغلال هذا القطاع. بعد خمس سنوات من التردد والانتظار «الرسمي»، تواجه الحكومة معضلة تلبية الطلب على خدمات البث التي تتولاها مؤسسة البث الإذاعي والتلفزي «تي.دي.أ»، التي يبدو أنها لم تستعد بما فيه الكفاية لهذا المعطى الجديد الناجم عن تراخ في وفاء السلطات العمومية بالتزاماتها وعدم احترام القوانين المنظمة للقطاع، ما يضع سمعة الجزائر ومؤسساتها في وضع لا تحسد عليه.تجد مؤسسة «تي.دي.أ»، نفسها في ورطة نظرا لمحدودية قدرتها على تلبية طلبات متعاملي النشاط السمعي البصري، بالحصول على رخص الاستغلال، فقد أبرمت صفقة مع شركة أوتلسات للاتصالات، لاستئجار ذبذبات وترددات على قمرها «أوتلسات 7 غرب». وتفيد بنود الاتفاق طويل المدى، على طاقة استقبال بسعة 78 ميغاهيرتز (المعلن إعلاميا، و33 ميغاهيرتز فعليا) بما يسمح لذات المؤسسة دخول القطب المداري 7/8 درجات غرب، أملا في توفير أكبر قدر ممكن من القنوات التلفزيونية المستقبلة بواسطة أجهزة الاستقبال عبر الساتل.في هذا الشأن، تفيد معلومات متداولة في وسط مهنيي هذا المجال، بأن منصة البث التلفزيوني دون تشفير، من طرف مؤسسة «تي.دي.أ»، ستجمع بين بث القنوات الوطنية العمومية وقنوات خاصة (يجهل عددها) ينتظر اعتمادها بموجب قانون السمعي البصري تحقيقا لانفتاح شرع في الترويج له في سنة 2011، في أوج ثورات الربيع العربي. وحسب ذات المعلومات، فإنه باستطاعة القنوات العمومية والخاصة الاستفادة من خدمات هذا قمر «أوتلسات 7 غرب» بما يغطي منطقة المغرب العربي وشمال غرب إفريقيا، على أن يتم توسيع نطاق التغطية إلى مناطق الشرق الأوسط والخليج العربي بحلول 2015 التي كان من المنتظر أن تعرف دخوله حيز الخدمة.خوف من كشف المستوروكان الوزير الأول قد كلف، بتاريخ 23 ماي الماضي، وزير الاتصال بتنظيم أوضاع القطاع السمعي- البصري في أقرب الآجال، في انتظار تنصيب سلطة الضبط التي رأت النور برئاسة زواوي بن حمادي في 20 جوان الفارط، أي بعد قرابة شهر من الإعلان عنها.وكشف، وقتها، عن وضع آلية للمتعاملين الراغبين في تقديم خدمات سمعية - بصرية على أساس دفتر شروط «حدد بوضوح الحقوق والواجبات». كما تعهّد سلال بأن «كل القنوات التي ستلتزم ببنود هذا الدفتر ستعتمد كقنوات جزائرية تستفيد من الدعم والتشجيع، الذي ينص عليه القانون أما تلك التي ستخالفه فستمنع من النشاط في الجزائر».فهل تم تطبيق القانون؟ الجواب على هذا السؤال: ليس بعد.. ودليل ذلك الضبابية التي يعيشها مالكو القنوات الخاصة التي وصل عددها إلى ستين قناة، بما فيها تلك المعتمدة وعددها خمس فقط. وباعتبار أن الانفتاح على عصر السموات المفتوحة، يقتضي تحضيرا في مستوى التزامات دولة بحجم الجزائر، ويواكب تطلعات جماهيرها الواسعة في الداخل والخارج، فإن ما يلاحظ على الطريقة التي تعاطت بها الجهات المكلفة بذلك يؤشر على وجود مستور يخاف بعض المسؤولين في الحكومة وفي مؤسسة «تي.دي.أ» انكشافه للرأي العام ولمن يهمه الأمر في أعلى هرم السلطة.وفي هذا الصدد، تشير معلومات إلى أن «تي.دي.أ» المخولة بموجب قانون السمعي البصري توفير وتوزيع ترددات وذبذبات البث التلفزي والإذاعي، لكن الواقع يبين أنه ليس بمقدورها تلبية الطلبات على ذبذبات البث الإذاعي قبل 2019، كما لا يتعدى أمر البث التلفزي حد الاستنجاد بخدمة البث عبر الساتل وتحديدا قمر «أوتلسات 7 غرب» فقط، والذي يوفر البث لـ5 قنوات هي التلفزيون العمومي الأرضي و»الجزائرية الثالثة» و»كنال آلجيري» و»القرآن الكريم» و»الأمازيغية»، في حين أن الحديث عن البث الرقمي الأرضي «تي.أن.تي» يظل بعيد المنال في الوقت الراهن.  أما بالنسبة لإمكانية حصول القنوات الخاصة على ترددات على هذا القمر، فإن مؤسسة «تي.دي.أ»، واقعة في مأزق بسبب الطلبات المرتقبة خاصة في حال التزام أصحابها بدفتر الشروط، في حين أن المعروض لا يتعدى التكفل بست قنوات إضافية فقط، على اعتبار أن سعة البث محدودة ونطاق التغطية لا يشمل أوروبا، حيث يقيم القسط الأكبر من الجالية الجزائرية بالخارج!كما لا تبرز الحاجة إلى تقنية البث الأرضي الرقمي «تي.أن.تي» مجدية في الوقت الحالي، لأن مبدأ الاشتراك في هذا النوع من الخدمة يقتضي احتواء القنوات على مضامين تغري المشاهد نظرا لتكلفته المرتفعة وتجهيزاته الخاصة، وهو ما سيضرب برنامج رئيس الجمهورية لتطوير السمعي البصري في الصميم، خاصة وأن هذا المجال يكتسي أهمية استراتيجية في ظل تنامي تأثير قنوات تصنفها الحكومة في خانة «المعادية» لها، مثل قنوات «المغاربية» و»العصر» وحتى «الجزيرة»!ويذكر أن الجهات المعنية بالتعاقد مع إدارة «أوتلسات للاتصالات»، وقعت على الاتفاق في 2012 بتكلفة سنوية 70 مليار سنتيم، من أجل استيعاب 13 قناة تلفزيونية، في حين أن قدرات مؤسسة «تي.دي.أ» لا تسمح لها بذلك، علما بأنها لجأت لاستغلال قمر «أتلانتيك بيرد 3 (أ.بي. 3)» لتغطية نقاط الظل، أي المناطق التي يصلها بث القنوات العمومية عبر التراب الوطني (خاصة جنوب البلاد).بث محدود من دون تأثيرولا يغطي قمر «أوتلسات 7 غرب»، إلا شمال إفريقيا وغرب إفريقيا والشرق الأوسط. وقد أطلق هذا القمر إلى مدار الأرض في 24 سبتمبر 2011، وهو من تصنيع الوكالة الأوروبية للفضاء، حاملا معه 56 مستقبلا. وفي شهر ديسمبر من نفس السنة، انتقلت تسمية هذا القمر الصناعي إلى تسميته الحالية بعدما كان يعرف باسم أتلانتيك بيرد 7 (أ.بي.7). فما هي القنوات التي ستخاطر باستثماراتها في هكذا ظروف ومجال بث؟! والأهم من ذلك، من سيتحمّل عواقب هذا الإخفاق؟ وهل سنشهد محاكمة المقصّرين في كل ما حدث ويحدث باسم الدولة وباسم «انفتاح صوري» لا يكرس سوى المزيد من العزلة والانغلاق والوقوع فريسة لتأثير الآخرين على مجريات ما تعج به الساحة الوطنية من تحولات وهزّات سياسية واقتصادية واجتماعية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات