38serv

+ -

دوّت صيحات الفرحة، أمس، بمحكمة الجنح بسيدي امحمد بالعاصمة، ابتهاجا بقرار الإفراج عن سجناء قضية قناة “كا.بي.سي”، مهدي بن عيسى ورياض حرتوف ونورة نجاعي، بعد مكوثهم في الحبس الاحتياطي لمدة 3 أسابيع. وجاءت مرافعات المحامين عن السجناء في جلسة محاكمتهم شبيهة بمحاكمة لواقع الحريات في الجزائر. انتصرت الحرية على السجن في قضية سجناء “كا.بي.سي”، بعد أن قضت محكمة الجنح بسيدي امحمد، أمس، بالحكم على السجناء الثلاثة بالسجن غير النافذ، ما يعني الإفراج عنهم. وحملت الأحكام التي نطق بها القاضي، خيثر قاسي، إدانة مهدي بن عيسى المدير العام للقناة ورياض حرتوف مدير الإنتاج بـ6 أشهر حبسا موقوف النفاذ وغرامة بـ50 ألف دينار، بينما أدينت نورة نجاعي، المديرة المركزية بوزارة الثقافة، بعام سجنا غير نافذ وغرامة بـ50 ألف دينار.كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، عندما دخل السجناء الثلاثة، تتقدمهم نورة نجاعي التي أطلقت ابتسامة عريضة وحيّت عائلتها وزملاءها من الوزارة الذين حضروا بغزارة لمساندتها. تلاها مهدي بن عيسى الذي كان يبدو على وجهه علامات الحيرة وعدم التصديق لما آل إليه، ثم دخل زميله رياض حرتوف.نادى القاضي على المتهمين الثلاثة وطلب منهم التعريف بأسمائهم ووظائفهم وأسمعهم التهم المنسوبة إليهم، وهي إساءة استغلال الوظيفة والإدلاء بإقرارات كاذبة بغرض الحصول على وثيقة دون وجه حق بالنسبة لمهدي بن عيسى ورياض حرتوف، وتسليم رخصة مع العلم بأنها غير قانونية وإساءة استغلال الوظيفة فيما يخص نورة نجاعي.بداية التفاؤل بمصير سجناء “كا.بي.سي” كانت عندما نطق ممثل الحق العام في الجلسة بالتماساته في القضية، حيث طلب لهم ضمنيا الإفراج بالتماسه عامين حبسا غير نافذ وغرامة مالية، وذلك بعد أن ظهر في استجوابه للسجناء “متفهما” لإجاباتهم وغير حريص على “إغراقهم”، كما هي طبيعة مهنته. حرص النائب العام على سؤال السيدة نجاعي إن كانت تخصص معاملة استثنائية، لمهدي بن عيسى، فكان ردها بالرفض القاطع.أجوبة بن عيسى ونجاعي على قضية التراخيصالتساؤل الآخر الذي طرحه القاضي والنائب العام على المتهمين، كان يتعلق بالتراخيص التي منحتها السيدة نورة نجاعي إلى شركة “ناس برود” ومديرها مهدي بن عيسى لتصوير برنامجي “ناس السطح” و”كي حنا كي الناس”. الإشكال القانوني المثار يتعلق بعدم حيازة شركة “ناس برود” الاعتماد الذي يخولها التصوير خارج الأستوديو، وهذا الاعتماد يتم منحه على مستوى السجل التجاري على شكل رموز تضاف إلى الاعتماد الأول.السيدة نجاعي كانت واضحة في إجابتها على هذا التساؤل، حيث أكدت أنها أمضت على التراخيص لاعتقادها أن الشركة التي تقدمت بالطلب هي شركة “أقاليم” التي كان يمتلكها مهدي بن عيسى قبل أن يشغل منصب مدير في شركة “ناس برود” وقناة “كا.بي.سي”، وذلك بالنظر إلى الثقة التي تجمعها به، وعزت ذلك إلى مجرد “سهو” مهني ليس فيه أي نية أو تعمّد. أما مهدي بن عيسى، فأكد للقاضي أن طلبه كان صحيحا ومقدما باسم شركة “ناس برود”، التي تحوز الاعتماد، لكنه لم يكن يعلم أن هذا الاعتماد تنقصه الرموز المتعلقة بالتصوير خارج الأستوديو. وفي كل الحالات، أكد المتهمون ومحاموهم أن هذا الترخيص ليس له أي معنى قانوني، كون البرامج المذكورة في التحقيق كلها مسجلة داخل الأستوديو، أي أنها لا تحتاج أصلا لرخصة.نقطة أخرى أثارها القاضي مع مهدي بن عيسى، تتعلق بتحويل طبيعة برنامج “كي حنا كي الناس” من ترفيهي ثقافي إلى سياسي نظرا لطبيعة الشخصيات المدعوة. وهنا أجاب مدير “ناس برود”، تحت أنظار مجموعة من المسرحيين والكوميديين الذين حضروا لمساندته، قائلا: “البرنامج كان يبث في سهرة رمضان، وهو بالتالي وقت ترفيه للمشاهدين. ولا يوجد أي إطار يحدد بأننا خرجنا عن الإطار الترفيهي والثقافي. أما الشخصيات المدعوة فهم جزائريون ولا يوجد قانون يحدد من يجب دعوته إلى مثل هذه البرامج أو ما هي الأسئلة التي يجب أن تطرح”.“ما قدمه بن عيسى للجزائر يساوي ما قدمه مفدي زكريا”هذه الإشارات الإيجابية سواء من القاضي أو النيابة، التقطها أعضاء هيئة الدفاع عن السجناء بإيجابية، وتوقف عندها المحامي خالد برغل طويلا، شاكرا ممثل الحق العام على “شجاعته” في تدارك ما وقع من أخطاء في التحقيق وتكييف للتهم للسجناء وهم منها براء. وانطلق المحامي في مرافعة تاريخية شدت إليها انتباه الحاضرين يقول: “إننا نشهد اليوم محاكمة الفكر.. محاكمة العبقرية الجزائرية.. محاكمة الكلمة الحرة وحرية التعبير”.وذهب الأستاذ إلى حد وصف القضية بـ”المفبركة” الهدف منها وضع هؤلاء السجناء كرهائن لحرية التعبير، “لأن التكييف الموضوع للتهم مبالغ فيه”. واستشهد برغل في دفاعه عن مهدي بن عيسى ومن معه، بالرسالة التي كتبها والده المسرحي سليمان بن عيسى لرئيس الجمهورية، معتبرا أنها أقوى مرافعة قدمت لحد الآن لما تضمنته من معان سياسية واجتماعية عابرة للأجيال، واستشهد المحامي أيضا بالمسرحية الشهيرة لسليمان بن عيسى “البابور غرق” ورد الرئيس بوتفليقة عليها في خطاب له “البابور ماغرقش يا سي سليمان”، للقول بأننا أمام عائلة فنية بامتياز خدمت الجزائر، فكيف يزج بابنها في السجن وله كل الضمانات؟ثم عاد المحامي طارحا تساؤلات عديدة حول مسألة “الاعتماد” و”التراخيص”، مشيرا إلى أن هذه القضية لم تكن سوى مطية للزج بهم في السجن، لأن في عرف النظام لا ينبغي أبدا أن نعطي تراخيص لمن ينتقد، وهم تجرؤوا وفعلوا ذلك، فقرروا معاقبتهم. يتنهد برغل الذي كان يتصبب عرقا من شدة حماسته في المرافعة ويقول: “كيف نعاقب مهدي بن عيسى دون ذنب؟ كيف نفعل ذلك وهذا الفتى قدم للجزائر ما يضاهي ما قدمه الشاعر الكبير مفدي زكريا.. الأول كتب إلياذة الجزائر والثاني أنتج ملحمة الفيلم الوثائقي “الجزائر من علٍ” التي جابت كل دول العالم راسمة صورة أخرى مشرقة عن بلادنا”.“ميهوبي وراء إيقاف “كي حنا كي الناس “درس آخر حرصت على توجيهه المحامية فطة سادات، يتعلق بالحقوق والحريات واستقلالية العدالة وقرينة البراءة التي لم تحترم، حسبها، في قضية مهدي بن عيسى ورفاقه. قالت الأستاذة إن هذه القضية تثبت مدى الهوة السحيقة بين النصوص القانونية والواقع وانتهاك حرية التعبير في الجزائر، ذلك أن الأمر لا يتعلق بتاتا بالتهم المنسوبة للسجناء، ولكن بمضمون البرنامج الذي لم يرق للمسؤولين في الدولة فأرادوا وقفه.وبحسب مرافعة سادات، فإن وزير الثقافة شخصيا، عز الدين ميهوبي، اتصل بالسيد نجاعي قائلا لها بالحرف: “كيف تسلمين رخصا لبرنامج يقوم بسب رموز الدولة؟”. وهنا تساءلت المحامية: “هل يعتبر الانتقاد لمن لا يقومون بعملهم في الدولة، سبا لرموز الدولة؟”. واستنتجت استنادا إلى كلام الوزير أن القضية لا تتعلق أبدا بتراخيص غير مطابقة للقانون، وإنما بإرادة واضحة لإسكات البرنامج، لأن مضمونه لم يرق المسؤولين في الدولة.واللافت أن وزارة الثقافة لم تتأسس كطرف مدني في المحاكمة، رغم أنها تأسست كطرف مدني أثناء التحقيق.وتساءلت المحامية ملوحّة بالدستور ومواده: هل نحن في بلد يقوم على التعددية فعلا؟ أم أننا عدنا إلى مرحلة ما قبل سنة 1989؟ ثم عقبت: “غيّروا الدستور إن أردتم إعادتنا إلى ذلك العهد، لكن لا تدعوا أبدا أننا نعيش في بلد حر”. ومن بين أخطر الخروقات التي شابت التحقيق من منظور المحامية، وثيقة إصدار قرار بمنع مهدي بن عيسى من مغادرة التراب الوطني قبل أن يصدر أمر أصلا باستدعائه من الضبطية القضائية. “رب ضارة نافعة”عائلة بن عيسى التي كانت حاضرة في المحكمة، استقبلت بفرح شديد نبأ الإفراج عن ابنها مهدي. ونقل بعض أفرادها لـ”الخبر” معاناتهم الكبيرة في الأسابيع التي كان فيها بالسجن، خاصة أن الأمر تزامن مع شهر رمضان. لكن رب “ضارة نافعة”، يقول أحد أفراد العائلة، فمهدي كان قد برمج تمضية يوم 14 جويلية في مدينة نيس الفرنسية مع عائلته بدعوة من صديق له، وهي الليلة التي وقع فيها الهجوم الإرهابي على المدينة وأدى إلى مقتل وإصابة العشرات.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات