"تأثير قرار المحكمة الإدارية على مستقبل "الخبر" محدود"

+ -

أصدرت المحكمة الإدارية حكما يقضي بإلغاء عملية التنازل عن أسهم بعض المساهمين لفائدة “ناس برود”، ما تأثير الحكم على مصير جريدة “الخبر” وقناة “كا.بي.سي”؟الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية كان متوقعا، لأن القضية أدرجت من بدايتها في خانة الصراع السياسي الدائر حول مستقبل الحكم، لذلك وقع التغاضي عن بعض المسائل الجوهرية في عملية التقاضي مثل صفة الوزارة في رفع الدعوى، والتعامل مع القضية على أساس أنها صفقة تخضع لقانون الصفقات، رغم أن الأمر يتعلق بتعامل تجاري يخضع للقانون التجاري يرسّم بعقود رسمية مسجلة ومشهرة.وإدراج القضية في خانة الترتيب السياسي سببه ثقافة الشك والريبة المسيطرة على سياسيينا، وعليه بمجرد شراء بعض أسهم “الخبر” من قبل “ناس برود” وكون هذه الأخيرة مملوكة لشخص من خارج دائرتهم، فإن النافذين الحاليين، والمسيطرين على دواليب الحكم فسروا الأمر على أساس أن العملية تندرج في إطار التحضير للاستحقاقات القادمة، ومن شأن المالك الجديد أن يسخرها لفائدة جهة غيرهم، وهذا ما تؤكده تصريحات سعداني، ووزير الاتصال، والوزير الأول وحتى محامي وزارة الاتصال.أما تأثير الحكم على مستقبل جريدة “الخبر” وقناة الخبر “كا.بي.سي”، فهو محدود، لأن الحكم لم يلغ اعتماد جريدة “الخبر”، وفقط أرجع الوضعية إلى ما كانت عليه قبل عملية إحالة الأسهم. إرجاع الوضع إلى ما كان عليه قبل إحالة الأسهم قد يضع مالكيها أمام وضعية مالية صعبة، لكن يمكنهم تجاوزها، بنفس الإرادة التي بنوا بها صرح جريدتهم، وقد تابعت شخصيا إرهاصات الولادة ومعاناة النمو، خاصة وأن هناك التفافا جماهيريا كبيرا حولها.أما بالنسبة لقناة الخبر “كا.بي.سي”، فهي بدورها ترجع لمالكيها الأصليين وكغيرها من القنوات الأخرى، سوف تخضع لقانون الإعلام وقانون النشاط السمعي البصري.كيف تفسرون تصريحات محامي وزار الاتصال؟ أولا الندوة الصحفية التي نظمها محامي وزارة الاتصال (الخميس الماضي) لا مبرر لها لا قانونيا ولا أخلاقيا ولا حتى مهنيا، وزارة الاتصال هيئة من هيئات الدولة، مطالبة بالتصرف بسمو وهمة ورفعة، مع الاحترام الكامل للطرف الآخر وعدم استفزازه، وتنظيم محاميها ندوة صحفية للتباهي بصدور حكم لصالحها والتهديد بتنفيذه وغلق جريدة “الخبر”، وقناة “كا.بي.سي”، يندرج ضمن الانحرافات التي تعرفها مؤسسات الدولة، وكذلك مهنة المحاماة، لأن التصريحات بالإضافة إلى كونها تناقض منطوق الحكم، فإنها تضع الوزارة في نفس مستوى، ذلك الطفل الذي يتباهى بتغلبه على طفل آخر، أو تلك العجوز التي لما يقضى لصالحها تنطلق بالزغاريد في قاعة جلسات المحكمة، وطبعا هذا يسيء لها كوزارة ويسيء للدولة الجزائرية كدولة.كما أن المحامي تجاوز حدود وكالته، التي تقتصر فقط على محتوى الإجراءات التي تضمنها الملف، ودخوله في متاهات كيفية دفع القناة لرسوم البث وطريقة تسييرها وغيرها من الكلام الخارج عن الملف، يجعله يضع نفسه في موضع الطرف، أي يتقمص منصب الوزير، وإن كان الوزير تحدث معه في المواضيع التي هدد بها، فإنه كشف نية الوزير تجاه مجمع “الخبر”، عندئذ يصبح الأمر أبعد من إلغاء عقد إحالة أسهم.تلقت قناة “كا.بي.سي” إنذارا من وزارة الاتصال، ينذرها بضرورة التكيف مع القانون العضوي المتعلق بالإعلام وقانون النشاط السمعي البصري، أليس هذا تهديدا بغلقها؟الإنذار الذي تلقته قناة “كا.بي.سي”، أرسل إلى كل القنوات، وقد اطلعت عليه شخصيا، وهو إنذار لا يمكن الامتثال له حاليا، لأنه جاء سابقا لأوانه، لأن الأمر يتعلق بالحصول على رخصة البث، وتنفيذ الإجراء المتعلق بمنح رخصة البث يتم من طرف سلطة ضبط السمعي البصري بواسطة إعلان الترشح وفق شروط وكيفيات تحدد عن طريق التنظيم، وهذا ما نصت عليه المادة 22 من قانون النشاط السمعي البصري، ولحد الآن لم يصدر أي نص يحدد الشروط والكيفيات، وبالمآل لا يمكن إصدار إعلان الترشح حاليا، لأنه يؤسس على الشروط والكيفيات التي تحدد سلفا عن طريق التنظيم. وعليه فإن الأمر يبقى على حاله حتى صدور النص المتعلق بالشروط والكيفيات، ثم القيام بإصدار الإعلان بالترشح لفتح قناة.مدير قناة “كا.بي.سي” رهن الحبس مع شخصين آخرين بسبب تصوير برنامجين تلفزيونيين، في الوقت الذي ينص الدستور وقانون الإعلام على عدم جواز حبس الصحفي، بماذا تفسرون ما ذهبت إليه السلطة؟ لا يجب أن ننخدع بما تتضمنه النصوص، لأن السلطة في الجزائر لا تحترم أي نص مهما كان ترتيبه في سلم القوانين، وأغلب المسؤولين الجزائريين يكنّون عداء كبيرا لكل المبادئ الديمقراطية، ولهم حساسية كبيرة تجاهها، لعدة أسباب منها طريقة وصولهم إلى السلطة وكيفية ممارستهم لها.قضية مدير “كا.بي.سي” ومن معه قضية رأي، وإيقاف تسجيل برنامج حتى وإن تضمن نقدا لبعض الجهات أو الأشخاص، مساس بحرية الإبداع، ومساس بحرية التعبير التي تبنى عليها الديمقراطية، وكل شخصية عامة عليها أن تتقبل أكثر من غيرها النقد، وكل الاجتهادات القضائية في محاكم المجتمعات الديمقراطية تصر على ذلك، ومن خلال تتبعي لبعض حلقات برنامج “ناس السطح” والتي تضمنت نقدا لبعض المسؤولين، فإن ما جاء فيها رحيم جدا مقارنة بما تتداوله الألسن في المقاهي والجلسات الخاصة، وتصريحات حتى من تعاملوا مع بعض المسؤولين. وكان على الأجهزة المكلفة بمكافحة الفساد فتح تحقيقات، لا معاقبة من فضح الفساد. كيف تقيّمون وضع حقوق الإنسان في الجزائر في الظرف الراهن؟ بكل أسف، إن الوضع مأساوي وينذر بتطورات خطيرة، ونظرة سريعة للمشهد العام كافية للتأكد من ذلك، القوانين تضمنت تراجعا عن المكتسبات، النشطاء الحقوقيون، والنقابيون وطالبو الشغل متابعون قضائيا، الصحافة تتعرض لضغوط ومضايقات تهددها بالزوال وأخرى زالت، وحرية الإبداع مهددة، الضابط السابق ممنوع من التعبير عن رأيه، عضو البرلمان يمنع من الكلام، وآخر يستدعى من جهاز أمني لمساءلته حول تصريحات أبدى من خلالها رأيه في بعض المسائل التي تشغل الرأي العام. الفساد ينخر جسم المجتمع. وفي الوقت الذي لا يجد فيه المواطن البسيط قوت يومه، نسمع بأن فلانا أو علانا اشترى في فرنسا أو إسبانيا، أو حتى في الجزائر عقارات ومنقولات بملايير يعجز عن إثبات مصدرها، وليس هناك من يقول له من أين لك هذا.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات