تسجل قيمة العملة الوطنية تراجعا إلى مستويات تاريخية في مسارها بوتيرة متسارعة خلال الأسابيع والأشهر القليلة الماضية، مؤكدة على المنحنى التنازلي الذي عرفته منذ بداية أزمة انهيار أسعار البترول في شهر جوان 2014، جعلت الدينار يحتل المراتب المتأخرة على المستوى العالمي، بينما يعتبر “الأرخص” من بين الدول الجارة، بصرف النظر عن الدول الصناعية المتقدمة أو العملات العالمية.تشير المعطيات المالية والاقتصادية إلى أنّ قيمة العملة الوطنية تسجل “انحدارا” متسارعا في تعاملات الصرف مقابل العملات العالمية، لاسيما الدولار الأمريكي، أو العملة الأوروبية الموحدة “الأورو”، وهي مستويات متدنية لم تعرفها منذ الاستقلال، حيث يقابل دولار أمريكي واحد 110.30 في التحويلات الرسمية. أما العملة الأوروبية الموحدة، فتقدر قيمتها الرسمية مقابل الدينار المحلي بـ122.75، بينما يصل إلى حوالي ما يفوق 180 دينار في السوق السوداء.أما على الصعيد الجهوي، فيعتبر الدينار الجزائري العملة الأقل قيمة من بين الدول المغاربية، على الرغم من أن الجزائر تعتبر الأغنى من بينها على الصعيد الاقتصادي، سواء من حيث الثروات من المواد الطاقوية الخام، أو الإمكانيات في مجال الفلاحة والسياحة والقطاعات الأخرى، بيد أنّ واحد دينار تونسي يساوي 50.10 دينارا جزائريا، وهي المستويات الضعيفة نفسها المسجلة بالمقارنة مع العملات العربية الأخرى، على غرار الدرهم المغربي الذي يقابل 11.25 دينار جزائري، أو الجنيه المصري الذي تصل قيمة تحويله إلى العملة الوطنية إلى 12.40 دينارا.وعلى هذا الأساس، يؤكد الخبراء بأن الدينار الجزائري معرض للتراجع أكثر في الفترة المقبلة، على اعتبار أن التسعير الرسمي الذي يعتمد عليه البنك المركزي لا يعبر عن القيمة الحقيقية للعملة، إذ تقدر التسعيرة الحقيقة أقل بـ50 في المائة عن السعر الرسمي، ما يفرض على السلطات العمومية، وبنك الجزائر على وجه الخصوص، إعادة النظر في قيمة العملة الوطنية استنادا إلى معطيات الاقتصاد الجزئي الوطني من جهة، والتحويلات للعملات الاخرى على الصعيد الخارجي من جهة مقابلة، من منطلق أن قيمة الدينار لا تمثل رمزا وطنيا فحسب، بل تعكس القوة التنافسية للاقتصاد.ويحذّر المختصون، تبعا لهذه المعطيات، من “تآكل قيمة العملة” بفعل تراجع قوتها الشرائية للأسباب المرتبطة بالتضخم جراء ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية للمواطن، وعليه فإنّ استعمال القيّم النقدية الصغيرة، على غرار 5 دينار و10 دينار إلى غاية 50 دينارا في المعاملات التجارية، معرضة للاختفاء تدريجيا، تدعمه توجه الحكومة إلى عدم استصدار القطع النقدية ذات القيّم الصغيرة، وبروز الأوراق النقدية الكبيرة، على غرار 2000 دينار، وهو ما يعتبر ظاهرة نقدية خطيرة تستدعي إيجاد الحلول لها على أسس تقوم على إصلاحات اقتصادية، وليس على صعيد السياسة النقدية فقط.الحكومة تخفضه عمدا لربح فارق تحويله من الدولارالدينــــــار فقــــــد 40 بالمائــــــة من قيمتـــــه في أقــــــل من عاميـــــن الخبير سليمان ناصر: “الحل في ضمان استقلالية البنك المركزي”قال الخبير في الشؤون المالية والاقتصادية، سليمان ناصر، إنّ العملة الوطنية فقدت منذ سنة 2014 إلى غاية منتصف السنة الحالية، 40 في المائة من قيمتها في مجال التداولات، بالمقارنة مع أهم العملات العالمية التي تتعامل الجزائر على أساسها في إطار الاستيراد أو التصدير.وأوضح الخبير، في تصريحه لـ“الخبر”، بأنّ تراجع قيمة الدينار الجزائري يعتبر “تخفيضا” وليس “انخفاضا”. ومن هذا المطلق، فإنه يعتبر تخفيضا عمديا وإراديا لجأت إليه الحكومة كأحد الحلول الترقيعية لتسيير أزمة تضاءل الموارد وتقلص حجم المداخيل الوطنية. ووصف المتحدث، في سياق تقديمه التفسير، بأنّ السبب من وراء لجوء الحكومة للتخفيض العمدي لقيمة العملة بـ “الغريب”، وأشار إلى أنّ الأمر يتعلق بالمقام الأول بتقهقر أسعار المحروقات في البورصة العالمية منذ سنتين، مؤدية إلى انكماش المداخيل من العملة الصعبة، لاسيما الدولار الأمريكي، على اعتبار أنّه المسعّر لمعاملات سوق النفط، وهو ما يدفع السلطات العمومية إلى تخفيض قيمة العملة المحلية لربح فرق عند تحويل قيمة الصادرات من الدولار إلى الدينار، من أجل تغطية النفقات العمومية، كالأجور وغيرها من المصاريف.وحذّر الخبير الاقتصادي من استعمال هذا النوع من الحلول والإسراف في اللجوء إليه، على اعتبار أنه حل آني للأزمة التي تعانيها المنظومة الاقتصادية الوطنية، ولكن إسقاطاته السلبية ستؤدي إلى انهيار القدرة الشرائية للمواطنين من الناحية الاجتماعية.أما على الصعيد الاقتصادي، فإنّ نتائج التخفيض العمدي تظهر في تراجع الجاذبية لجلب الاستثمارات الأجنبية، كونها تؤدي إلى ارتفاع تكاليف إنجاز المشاريع بسبب نفقات اليد العاملة وغلاء أسعار المواد الأولية، زيادة على تحويل الأرباح المحققة بأسعار صرف ضعيفة، ما يدفع المتعاملين الاقتصاديين الأجانب إلى التفكير ملياً قبل نقل استثماراتهم إلى السوق الوطنية.ومن الناحية المقابلة، فإن تخفيض قيمة العملة الوطنية بشكل إرادي يجعل من الصعوبة بمكان إعادة التوازن لها، لاسيما في ظل عدم قدرة الاقتصاد الوطني على خلق التنوع الضروري والخروج من التبعية لقطاع الريع، لدفع الدينار لتحقيق مستويات أعلى، مشيرا إلى أنّ المبدأ ينص على أنه “لا وجود لعملة قوية لاقتصاد ضعيف”.وعلى هذا الأساس، شدد سليمان ناصر على أنّ أبرز الحلول لتفادي هذا المشكل ينحصر في ضمان استقلالية البنك المركزي، لأداء مهامه على الأسس المالية والاقتصادية، من منطلق أن طالما كان “أداة في يد السلطة التنفيذية”، وأكد على أنّ محافظ البنك ومجلس النقد القرض هم لوحدهم أصحاب الصلاحيات لتحديد قيمة العملة الوطنية بناء على تفكير اقتصادي يخرج عن الحسابات السياسية.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات