هل سجّل المرصد أفعال إسلاموفوبيا بعد الاعتداء الذي ضرب مدينة نيس؟ لا، لم نسجل لحدّ الآن أيّ فعل لاسيما أنّ الإحصاءات تصدر عن وزارة الداخلية مع نهاية كلّ ثلاثي. والآن نحن بصدد انتظار حصيلة السداسي الأوّل من السنة الجارية التي سيتم الكشف عنها بتاريخ 20 جويلية. ثمّ إنّه لم ترد إلى المرصد أيّ تسجيلات أو شكاوى من قبل المساجد والمصليات وكذا المواطنين. كما يجب التذكير بأن آخر حصيلة لأفعال الإسلاموفوبيا كانت تلك المتعلقة بالثلاثي الأوّل من السنة الجارية والّتي أسفرت عن تسجيل 80 فعلاً، أي بنسبة انخفاض تقدر بـ230 في المائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2015، بالنظر إلى كل الهجمات الإرهابية الّتي عرفتها فرنسا في تلك الآونة انطلاقًا من اعتداء شارلي إيبدو. لكن في المقابل، يجب التأكيد أنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي تمّ إطلاق بعض النداءات العنصرية من قبل جماعة من المتطرفين، والّتي تدعو مباشرة إلى قتل المسلمين.ما تعليقكم حول ما جاء في خطاب فرانسوا هولاند مباشرة بعد اعتداء نيس، ووصفه للهجوم بالإرهاب الإسلامي قبل حتّى التأكد من هوية المنفذ؟ لقد فاجأني ما جاء في الخطاب، وحقًا لأوّل مرّة يتحدّث الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند هكذا بتوظيف عبارات تتكلم عن الإرهاب الإسلامي، وليس من عادته استعمال مثل هذه المصطلحات، وعادة ما يأخذ حذره واحتياطاته، خاصة أنّ التحقيقات لم تكن قد كشفت عن مجريات الاعتداء وهوية المنفذ. وهنا أعود وأذكر مثلاً بمثال الطيار الألماني الذي جازف بحياة 50 مسافرًا، وقتل الجميع بارتطامه عمدًا بجبال الألب السنة الماضية بسبب مروره بأزمة عاطفية، فهل هنا أيضًا تمّ استباق الأحداث واتهام المسلمين ووصف الحادث بالهجوم الإرهابي.ويجب كذلك توضيح بأنّه حتّى داخل الحكومة لم يتوافق الوزير الأوّل مع وزير الداخلية في تصريحاتهما، فالأوّل مانويل فالس نسب مباشرة الاعتداء إلى داعش قبل تبنّيه، فيما تريث الثاني برنار كازنوف وقال بأنّه ليست هناك مؤشّرات تدل على أنّ منفذ الاعتداء إرهابي باستثناء معرفته لدى رجال الشرطة. وحتّى النائب العام فرانسوا مولانس قال بأنّ التحقيق لا يزال جاريًا، وأنّ منفّذ الاعتداء ليس له بروفيل إرهابي.فما يقلقني اليوم هو هذه الخطابات السياسية الّتي تزيد الطينة بلّة، وتسعَى إلى سكب الزيت على النار، مثلما فعله نيكولا ساركوزي لدى زيارته إلى نيس.كيف تترجمون رد فعل زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان مباشرة بعد الاعتداء الذي توعّدت من خلاله الجالية المسلمة في فرنسا؟ بالنسبة إلى مارين لوبان لا يفاجئني منها شيء، وليست المرّة الأولى الّتي تتهم فيها المسلمين، وهي في حدّ ذاتها ضدّ مسلمي فرنسا، وليس من صلاحيات أيّ كان تحميل مسلمي فرنسا مسؤولية أخطائهم أو ما ارتكبه مجنون مثل منفذ اعتداء نيس. وأصبح الوضع يؤرّق في فرنسا، فعند حدوث أيّ هجوم إرهابي يزداد قلق الجالية المسلمة وتحاول هذه الأخيرة الدفاع عن نفسها.ما تقوله مارين لوبان ما هو إلاّ ذريعة تستعمل من خلالها مسلمي فرنسا لخدمة مصالحها الانتخابية القادمة لسنة 2017، بإلقائها اللوم على الحكومة الاشتراكية الحالية والتصريح بأنّها غير قادرة بوجود ثغرات أمنية، وهي التصريحات ذاتها التي اعتمدتها أحزاب المعارضة.لكن ما يجب قوله أنّه لا أحد، سواء كانت مارين لوبان أو نيكولا ساركوزي أو شخصا آخر في سدة الحكم، كان بإمكانه إيقاف هذه الهجمات الإرهابية، خاصة هذا النوع الجديد من الاعتداءات الّتي تمّت بمدينة نيس في عيد الجمهورية.. إذن ما هي إلاّ تصريحات من شأنها خلق مواجهات طائفية فقط لا غير.ماذا على مسلمي فرنسا فعله من أجل تجنّب مثل هذه الاتهامات، والخلط بينها وبين الإرهاب في فرنسا؟ أوّلاً وقبل كلّ شيء، على كل ممثلي الجالية المسلمة في فرنسا ومسؤولي الهيئات الرسمية الإسلامية بفرنسا أن يقفوا في صف واحد وأن يكونوا على كلمة واحدة، وأن يتضامنوا مع بعضهم البعض، ويتّحدوا بصوت واحد للتصدّي إلى هذه الخطابات السياسية المتطرفة ومحاربتها، وأن لا يطأطئوا رؤوسهم وعليهم المشي مرفوعي الرأس.فنحن لسنا مسؤولين عمّا يحدث، والخوف الكبير اليوم يبقى قائمًا فيما يخص الدخول الاجتماعي القادم الّذي سيشهد تطرّفًا كبيرًا على مستوى الخطابات السياسية، الّتي ستصب كلّ اهتماماتها على مسائل الجالية المسلمة والإسلام وقضية الحجاب ووجبات الأكل الحلال. كما أّنه لا أحد يضمن بألا تكون هناك هجمات إرهابية تستهدف فرنسا من جديد في المستقبل.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات