+ -

تتخبط وزارة الاتصال في خطاب متناقض إزاء قضية “الخبر”، فالوزير حميد ڤرين يقول إن الدولة لا تفكر في غلق الجريدة بعد صدور قرار المحكمة الإدارية، بينما محاموه يهددون بالغلق بل يستعجلونه دون أي سند قانوني. فأيهم أحق بالتصديق: ڤرين أم دفاعه؟ أم هي لعبة فقط لتبادل الأدوار يراد بها التشويش على الجريدة وصرفها عن أداء واجبها في خدمة قرائها؟

تتكلم وزارة الاتصال بلسانين في قضية “الخبر”، غير مبالية بمراعاة أدنى قواعد “الاتصال” التي تفرض الانسجام في المواقف والأفكار بين أصحاب القضية الواحدة. هذا المشهد “البدائي” في التعامل مع القضية، بعد صدور الحكم، ينسجم مع ما تم خلال أطوار الجلسات التي سبقته، فالوزارة ومحاموها عندما قاضوا مجمع “الخبر”، تضمنت دعواهم أخطاء في الهدف والأطراف والالتماسات والطلب، قاموا بتصحيحها تباعا في ظل صبر نادر أظهره القضاء الاستعجالي الذي لم يبق له - على ما قال المحامون- من هذه الصفة إلا الاسم.وبعد أن صدر الحكم بإبطال الصفقة، كما اشتهته وزارة الاتصال، يقدم محامو الوزارة تفسيرات لتنفيذه على مجمع “الخبر” تتجاوز حدود المعقول والمنصوص عليه في منطوق الحكم ذاته. ففي ندوتهم الصحفية أمس الأول أو تصريحاتهم عقبة الجلسة الأخيرة، ذهبوا إلى حد التهديد بغلق الجريدة دون أن يعطوا تفسيرات مقنعة لدعواهم. وبدا كلامهم كأنه محاولة لتصفية حسابات مع “الجريدة”، بعد أن كانوا في حرج شديد من الأخطاء التي وقعوا فيها أثناء الجلسات، والتي أقروا بها بالمناسبة، كما نقلت ذلك حرفيا وكالة الأنباء الجزائرية في برقياتها.تفسيرات المحامي بيطام التي قدمها للصحفيين حول إمكانية غلق جريدة “الخبر”، كانت مثيرة للسخرية والشفقة في آن واحد، فكل المحامين الذين سألتهم “الخبر” عما قاله استغربوا أن يصدر ذلك عن محام يرتدي جبة المهنة، حتى أن إجاباته بدا هو نفسه غير مقتنع بها.وقد بدا وزير الاتصال، حميد ڤرين، نفسه، رغم كل ما “يكنّه” للجريدة من غلّ، مندهشا مما قاله محاميه، فسارع لما حاصرته أسئلة زملاء المهنة في زيارته لوهران، إلى تفنيد وجود أي نية لدى الدولة لغلق جريدة “الخبر”، حيث قال بالحرف: “لا الوزارة ولا الدولة لهما النية أو الإرادة في غلق “الخبر”، وقد قلت هذا الكلام في افتتاح الحصة التكوينية بولاية الجلفة بولاية الجلفة قبل شهرين، وأعيده اليوم مجددا”.لكن السؤال الذي يطرح: إذا كان هذا موقف الوزير والدولة معا، فمن أعطى الضوء الأخضر لمحامي وزير الاتصال حتى يطلق تلك التفسيرات المتطرفة في قضية حساسة كهذه؟ ومن في صالحه صب مزيد من الزيت على النار بتهديد 400 عامل في مؤسسة بحرمانهم من قوت يومهم؟ ولماذا تصر الدولة على وضع مصداقيتها وصورتها في الداخل والخارج بيد أشخاص يمعنون في تشويهها؟المتأمل في ما يدور أصبح يشك في كل ما يجري في قطاع الاتصال، لأن هذا التناقض غير المعقول يحيل إلى تفسيرات أخرى متطرفة، بالاعتقاد أن هناك مشهدا مرتبا بعناية بين المحامي والوزير، يظهر فيه الأول مهددا متوعدا ممارسا لحرب نفسية ضد صحفيين وعاملين لا يملكون ما يدافعون به عن نفسهم إلا قلمهم وشرفهم، ثم يأتي فيه الثاني (الوزير) ليظهر كمزيل للألغام التي زرعها محاموه وحام للحريات.وإذا كان هذا المشهد البائس هو فعلا ما يتم في الوزارة، فإن البلاد تكون قد وصلت فعلا إلى درجة متقدمة من “التفسخ” والاستخفاف بعقول المواطنين، ذلك أن ما يطمئن الصحفيين ليس مجرد كلام اعتادوه من المسؤولين ويرون عكسه في الميدان، إنما هو التطبيق الصحيح والصريح للقانون، عبر تنصيب كل الهيئات التي جاء بها القانون العضوي للإعلام، واحترام ما جاء فيه بانسحاب الوزارة تماما من ترتيب المشهد الإعلامي وتنظيمه.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات