قضية “الخبر” مع حكومة بوتفليقة ووزيره للإعلام ڤرين، ذكرتني برواية السلطان الحائر العجيبة للراحل توفيق الحكيم.. حيث جاء في هذه الرواية أن عبدا مملوكا دفعت به الأقدار باعتباره حاجب السلطان إلى أن يتوخى السلطنة ويصبح سلطانا على الشعب وهو عبد مملوك. وأراد هذا السلطان العبد أن يطبق الشريعة الإسلامية في حكاية الحكم الشرعي.. فطلب فتوى القاضي الشرعي في شرعية حكم هذا السلطان العبد.. فقال له القاضي الشرعي: إن توليه السلطنة عملية باطلة، لأن الشريعة تفرض على من يتولى السلطنة أن يكون حرا.. والسلطان هذا ليس حرا.. فقال السلطان العبد للقاضي: وماذا أفعل حتى أصبح حرا وقابلا لأن أتولى السلطة؟ فقال له القاضي: عليك بأن تسلم نفسك إلى ورثة السلطان المالك ليبيعوك في المزاد العلني ومن يشتريك كعبد يحررك.. وبعدها يمكن أن تتولى السلطة وأنت حر.. هكذا يقولالشرع! وبالفعل سلم السلطان نفسه إلى ورثة السلطان الهالك فباعوه في سوق النخاسة.. على أن يعتقه من يشتريه بعد ذلك! ولكن الذي حصل أن من اشترى هذا السلطان العبد من مالكيه في سوق النخاسة هي إحدى مومسات السلطة المعروفة بسوء أخلاقها! وعندما توثق شراؤها للسلطان رفضت تحريره قائلة لرجال الحكم في السلطنة: من هو الأبله الذي يمتلك سلطانا بعقد شراء ويتنازل عنه ليصبح حرا؟! ورفضت المومسة رفضا قاطعا تحرير السلطان العبد.وهكذا أصبحت السلطة تدار من فراش مومسة السلطنة! ولا أحد استطاع إجبار المومسة على ما لا تريده مخافة أن تتم عملية إبطال الشرعية من الأساس!بلدنا في موضوع “الخبر” والحكومة ووزير الاتصال وفي البحث عن شرعية وسائل الإعلام والتكيف مع القانون، يشبه تصرف السلطان والقاضي والمومسة مع حكاية الشرعية. من المؤسف حقا أن العدالة تصدر حكما كالذي أصدرته ضد “الخبر” بناء على فتوى قانونية أصدرها هذا المحامي الخاص بالوزارة بيطام، وهو يمثل هذا المستوى القانوني البائس! معنى هذا الكلام أن الأمر ليس له علاقة بالقانون والمحاماة، وله علاقة أساسا بعدالة الليل في النهار هذه المرة؟!شرعية إصدار “الخبر” الذي يطالب بها بيطام بمستوى قانوني مؤسف! هذه الشرعية امتلكتها “الخبر” قبل 25 سنة من سلطة شبه شرعية انبثقت عن دستور 1989. وهي الحالة الوحيدة الأكثر شرعية في تاريخ الجزائر المستقلة. فكيف يطلب من جريدة أخذت شرعيتها قبل 25 سنة من سلطة شبه شرعية، أن تطلب الآن الشرعية من جديد من سلطة عدم شرعيتها لا يتناطح فيه تيسان!سيكتب تاريخ الصحافة في الجزائر أن جريدة مثل جر يدة “الخبر” تعرضت إلى ما تعرضت له من مضايقات مؤسفة في عهد الرئيس بوتفليقة.. وأن من مثّله في هذه المهزلة القانونية هم أناس بمستوى المحامي بيطام ووزير الإشهار ڤرين؟! وأحس مع القراء أن هناك تساؤلا يطرح بإلحاح مفاده: ماذا سيستفيد الرئيس بوتفليقة من عملية غلق “الخبر”؟! ولماذا تحاول الحكومة والوزير وبيطام فعل ذلك؟ إنها فعلا أسئلة حائرة في مملكة السلطان الحائر؟! وهي فعلا أزمة شرعية ولا مومسة لها؟!
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات