حينما نُدقّق الأشياء نرى أنّ الدّوافع النّفسية الّتي تعبّر عنها فكرة الديمقراطية أو فكرة السّلام، إنّما هي في الواقع واحدة في صور مختلفة: إنّها دوافع الخير في نفوس مختلفة. وإنّ هذا يعني، بعدما تصح هذه الملاحظة، أنّ في النّفس مجالاً لفكرة الخير، وأنّ من يرفع راية الخير قد يسدّ حاجة تشعر بها الإنسانية في أعماقها، ويحقّق لنفسه مكانًا كريمًا في المجتمع العالمي.وفي هذا المجال يمكن أن يكون مجالا إذا حقّقنا في سلوكنا معنى الآية الكريمة: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} آل عمران:104. فإذا ما تحقّقت هذه الآية في سلوكنا العام، بوصفها تخصّصًا لمجتمعنا بالنسبة لحاجة الإنسانية، فسوف نكون قد لقينا على الخريطة الإيديولوجية لونًا يجعلنا من أكرم سكان المجتمع العالمي.وأنا أتعمّد شيئًا حينما أقرن الخير بالسّلوك، فالسّلوك هو الّذي يحقّق في الواقع معنى الخير المجرّد. فليس الخير مجرّد حقيقة نعلمها أو نقولها، مجرّد حقيقة تقبلها العقول، وربّما تنفر منها الأنفس أحيانًا إذا لم يكن الخير في صورة محبّبة للنّاس، إذ ربّما يحدث دوافع سلبية لا تشبع في أنفسهم حاجة لخير، بل تحدث فيها حالة حرمان.ولقد كرّر القرآن الكريم النّصائح في هذا الاتجاه إذ يقول للنّبيّ: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} آل عمران:159، أو حينما يقول له بصفة عامة: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} فُصِّلت:34.فهذا هو فيما أرى شرط دخولنا في المجمع (المجتمع) العالمي، ونحن حينما ندخل إلى هذا المجمع غير مقلّدين فإنّنا سنكون أسبق من غيرنا إلى وظيفة تسدّ حاجة من حاجات الإنسانية الكبرى في القرن العشرين، ولحقّقنا بذلك لأنفسنا مكانًا كريمًا في العالم الجديد.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات