مافيا التهريب تتحول إلى المعادن الهجينة والنفيسة

+ -

كثفت شبكات التهريب منذ بداية السنة الجارية 2016 من نشاطها في التحول إلى المعادن الهجينة، من الرصاص والنحاس والحديد والألمنيوم والحلي الفضية التركية، عبر الحدود الشرقية، بعد تلقيها ضربات موجعة في حقل تهريب الوقود، وهي التي كانت تهرّب يوميا بإقليم ولاية تبسة وحدها 700 ألف لتر خارج الحدود. وكانت حصة ولاية تبسة من الوقود يوميا تقارب 1 مليون متر مكعب. غير أن الإجراءات الإدارية، مع تنصيب اللجنة الولائية لمكافحة التهريب، أسفرت عن تطبيق التخفيض التدريجي لهذه الحصة من الوقود، إلى أن وصلت حدود 350 ألف متر مكعب فقط، ومع تنصيب 63 برجا للمراقبة على الحدود مع تونس على مسافة 300 كيلومتر طولي، وحفر الخنادق، وانتشار وحدات الجيش الوطني الشعبي وأفراد حرس الحدود، والمراقبة الجوية اللصيقة بشبكات التهريب، ظلت هذه الكمية الجديدة السارية المفعول حاليا كافية، بالرغم من عدم التطور المعتبر للحظيرة الولائية للمركبات التي تقارب 130 ألف سيارة وشاحنة، مع تحقيق أريحية كبيرة في محطات التوزيع، في مقابل تخفيض حصة الولاية من الوقود بأكثر من 50% مقارنة بسنوات من 2008 إلى 2011، ما يبين بوضوح أن 700 ألف لتر وقود كانت تهرّب تحت سيطرة شبكات الإجرام المنظم خارج الحدود.نفايات النحاس والرصاص والألمنيوم هي البديلوجّهت الوحدات الإقليمية لفرق الدرك الوطني للمجموعة الولائية بتبسة وفرق الجمارك الجزائرية، في الأيام الأخيرة، ضربات موجعة لمافيا التهريب على الحدود الشرقية مع الجمهورية التونسية، وهي النشطة في حقل وتيار تهريب المعادن الهجينة من النحاس والرصاص والحديد، لاسيما بعد حجز 32 طنا من المعادن الهجينة، الخليط بين نفايات الرصاص والحديد والنحاس.في عملية أولى، وبحسب ما توفر لدينا من معلومات، فإن شبكات التهريب التي تم محاصرتها من خلال الشريط الحدودي مع الجارة تونس إلى غاية المثلث الحدودي الجزائري الليبي التونسي، كثفت من نشاطاتها في الآونة الأخيرة لمحاولة تموين الشبكات الدولية المنظمة في أوروبا بنفايات النحاس والرصاص والحديد، وذلك عن طريق بارونات التهريب المتواجدة في تونس وليبيا حيث يتم التحضير والقولبة، وتصدّر على أساس أنها مواد مصنعة في تونس، لترسل إلى غاية إسرائيل، حسب تقارير إعلامية عالمية، ودول أوروبية، لتزويد بعض المصانع المختصة في هذه الصناعات، لاسيما بالنسبة لمعدني النحاس والرصاص.وفي مقابل ذلك، وعلى ضوء تقارير استخباراتية لتحركات المهربين عبر الحدود التونسية الجزائرية، فقد أحبطت فرقة الدرك الوطني بالماء الأبيض مؤخرا محاولة تهريب 47 طنا من سبائك النحاس، كانت معبّأة على متن شاحنة وجرار طريقي من نوع “رونو”، مع تعمد التمويه، من خلال تغطية المواد المعدة للتهريب بالحصى المخصص للخرسانة، وهي نفس الطريقة التي حجز بها 53 طنا أخرى من نفايات الرصاص وخليط المعدن الهجين المستخرج من قطع غيار مبردات المركبات المختلفة والبطاريات من طرف الفرق الجمركية العاملة بنقرين وبئر العاتر جنوبي تبسة.وتجني شبكات التهريب الملايير خارج الرقابة الجبائية الجمركية، من خلال توصيلها لشبكات تحترف التصدير عبر ميناء حلق الواد بالعاصمة التونسية إلى وحدات صناعية متخصصة في أوروبا، وتعمد شبكات التهريب مقايضة هذه المواد بمواد أولية تدخل في صناعة الدهن التي حجزت منها فرقة الدرك الوطني بنقرين أكثر من 20 طنا معبأة في 125 برميل بلاستيكي بسعة 160 كلغ. ويعتقد بعض العارفين بخبايا هذه الشبكات المنظمة بأن تكثيف محاولات التهريب خلال هذه الأيام للنفايات النحاسية والرصاص والحديد جاء على خلفية ارتفاع أسعار هذه المعادن في الأسواق العالمية، وارتفاع مؤشر الأرباح خارج العملية الاقتصادية الوطنية المنظمة، والإجراءات الصارمة في محاصرة شبكات تهريب الوقود.نشير إلى أن الضبطية القضائية أوقفت مؤخرا، وفي أقل من أسبوع واحد، 4 أشخاص تورطوا في عمليات تهريب المعادن الهجينة، مع مواصلة إجراءات البحث والتحري للكشف عن هوية أصحاب هذه المواد المهربة من خلال وثائق المركبات المحجوزة، سيما أن محاولة تمويه الحواجز الأمنية من خلال شحن الحصى والرمل يشير إلى توجيه أصابع الاتهام لعصابات تورطت حتى في تزوير رخص التنقل الجمركي، بالنظر إلى إجراءات تنقل مركبات الوزن الثقيل عبر الشريط الحدودي التي تتطلب هذه الوثيقة، سيما بالنسبة لحركة مواد البناء.المهربون يربطون علاقات تجارية مع شبكات بأوروبا عبر تونس وليبياوبالرغم من تلقي شبكات التهريب والجريمة العابرة للحدود عدة ضربات موجعة من خلال عمليات الحجز، فقد رفعت من مؤشر النشاط، مستغلة الوضع الأمني العام على الحدود الشرقية، وفي ليبيا خاصة، لتوسيع نشاطها في اختراق السوق الجزائرية، بتهريب العملة الصعبة، وترويج المهلوسات، والمعادن النفيسة، والأسلحة والذخيرة.وبحسب ما توفر لدينا من معلومات في هذا الشأن، فإن شبكات التهريب الجزائرية العاملة بالحدود الشرقية، خصوصا ببلديات ولايات تبسة والطارف والوادي وسوق أهراس، إلى غاية المثلث الحدودي بين تونس وليبيا والجزائر، إضافة إلى الحدود الجنوبية مع دول الساحل الإفريقي، تركز على الاتجار في المعادن النفيسة والأسلحة والمخدرات والمؤثرات العقلية، فقد بيّنت أول عملية من تنفيذ مصالح الدرك الوطني عام 2015 بعد حجز كمية 75 كلغ من الحلي الذهبية بالقرب من المركز الحدودي المريج، بحوزة أحد أكبر تجار ومستوردي الذهب في باتنة بقيمة تتجاوز 30 مليار سنتيم، وتمديدا للاختصاص بحجز أملاك منقولة وعقارات فاقت 500 مليار سنتيم. وهذه الكمية التي تعد من بين عدة شحنات تمكن المتورط من جلبها من ألمانيا عبر فرنسا ثم تونس والجزائر، مع إيهام مصالح الرقابة الجمركية وشرطة الحدود بمرض ابنه، بدليل أن جواز سفره لم تبق منه صفحة واحدة لا تحمل تأشيرات الخروج والدخول الدوري.وفي عملية أخرى حجزت كميات معتبرة من سبائك الفضة الليبية بأم علي الحدودية، وكانت بداية السنة الحالية محطة أخرى من قبل أعوان الجمارك الجزائرية على مستوى مركز الحدود بوشبكة، حيث تم حجز 22.5 كلغ من الحلي الفضية المهربة من تركيا عبر تونس، بقيمة قاربت 20 مليار سنتيم، تورط فيها مواطن يقطن بولاية باتنة كان على متن سيارة سياحية، كما تم في نفس اليوم ضبط رعية تونسي يقطن بمدينة وهران، على مستوى مركز بوشبكة، متلبسا بتهريب 11600 أورو و260 دينار تونسي.الأسلحة والأقراص المهلوسة في أجندة المهربينتوسعت أجندة المهربين بعد محاصرتهم، على خلفية انتشار وحدات الجيش بالحدود الشرقية، إلى تهريب المهلوسات، بعد أن أصبحت عملية تهريب الوقود غير مربحة مقارنة بالمعادن النفيسة والأقراص المهلوسة. ففي عملية واحدة للدرك نهاية السنة الماضية، حجزت كمية 5 آلاف قرص مهلوس من أخطر الأدوية تأثيرا على الجملة العصبية. العارفون بسوق التهريب يقرون بانخراط شبكات التهريب في قوائم بضائع خطيرة كالمخدرات والخمور والمعادن النفيسة والمؤثرات العقلية وأدوية الضعف الجنسي الخفيفة الوزن والمدرة لأرباح بالملايير خارج الرقابة، إلى جانب الأسلحة، بدليل تنفيذ عمليات حجز لأسلحة نارية، وحتى الحربية سوقتها مافيا التهريب بليبيا، بالإضافة إلى أجهزة كشف المعادن.ويبدو أن توسع هذه النشاطات الإجرامية المنظمة بالجزائر قد تجاوز كل الخطوط الحمراء بعد توسع أنشطة هذه المافيا العابرة للحدود، ببذل جهود مادية كبيرة لاختراق أجهزة الرقابة وكسب عدة متورطين من الأعوان بالإغراء والرشوة،  بالنظر لتسجيل تورط عدة عناصر في هذه الوقائع التي تهدد أمن واستقرار البلاد، وتسبب في نزيف الاقتصاد وتهدد شباب الجزائر بالمهلوسات والمخدرات والأسلحة التي تنطلق من أوروبا وتدخل الجزائر من حدود ملتهبة وتزيد في حدة التوتر يوميا على مستوى الجهات الحدودية الأربع.ارتفاع المهربين بنسبة 100%وبخصوص تطور الإجرام المنظم، كشف المقدم منير مروش، عن المجموعة الولائية للدرك الوطني بتبسة، أن الجريمة المنظمة عرفت خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية مثلا تطورا بـ48.30%، وأضاف في عرض تحليلي سابق أنه في إطار مكافحة الجريمة المنظمة على الحدود الشرقية مع الجمهورية التونسية بإقليم ولاية تبسة، تم إحصاء قرابة 175 قضية خلال الثلاثي الأول لسنة 2016، بزيادة 57.71%، وتوقيف 181 شخص، أي بارتفاع 48.30% مقارنة بأرقام نفس الفترة من سنة 2015.وتخص هذه الجرائم مخالفة قواعد الصرف والتهريب والأسلحة والذخيرة والهجرة غير الشرعية والتزوير وحيازة المخدرات والاتجار فيها وتهريبها. وفي إجابته عن سؤال “الخبر” حول خلفيات ارتفاع عدد المتورطين بنسبة 100% في جريمة التهريب، أجاب المتحدث بأن ذلك يفسر في صورة استراتيجية التركيز على تعميق إجراءات البحث والتحري للوصول للشبكات الخلفية لتموين العاملين في الميدان في نشاط التهريب واستنزاف الاقتصاد الوطني، بدلا من الاكتفاء بسُواق المركبات فقط.وبحسب الأرقام التي استعرضها المقدم منير مروش، فإن جريمة التهريب تمثل نسبة 71.43% من المجموع العام للجرائم المنظمة، بمجموع 125 قضية وتورط 96 شخصا بقيمة محجوزات 25.5 مليار سنتيم ومصادرة 53 مركبة، وفي حالة إضافة نشاط حرس الحدود فإن الحجز مس 99 مركبة، وارتفعت محجوزات الوقود بنسبة 18.40% بكمية محجوزة تقدر بـ153586 لترا.العملة الأجنبية والأسلحة والحلي في محجوزات الجمارك في تبسةتضمنت حصيلة الثلاثي الأول من سنة 2016 التي أعلنت عنها المديرية الجهوية للجمارك الجزائرية بتبسة، عدة مواد محجوزة عبر مختلف بلديات الشريط الحدودي الشرقي مع تونس، منها 54 ألف خرطوشة بنادق الصيد، ومجوهرات ذهبية بمجموع 603 غرام، وقرابة 23.4 من الحلي الفضية المهربة من تركيا، إضافة لمخالفة تشريف النقد والصرف، حيث ضبطت مبالغ بالعملة الصعبة، منها 52600 أورو و50 ألف دولار و11230 دينار تونسي، كبسولات الخراطيش 54 ألف كبسولة، لتبلغ قيمة الغرامات المحصلة 32 مليار سنتيم في مختلف عمليات مكافحة التهريب في هذه الفترة التي قفزت فيها مداخيل المزادات العلنية من بيع المحجوزات إلى 15 مليار سنتيم، في 285 حصة متعلقة بمختلف المواد.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات