كانت المؤامرة واضحة من البداية، وهي أن يدفع رجل الأعمال مبلغا كبيرا لشراء مجمّع “الخبر”، ولا يمتلكه في النهاية. وفي الوقت نفسه، ضرب “الخبر” في الصميم بحرمانها من مواصلة مسيرتها وهي في راحة مالية. فأصحاب المؤامرة يدركون أن تخلص الصحيفة وقناتها التلفزيونية من ضغط السلطة بخصوص منع الإشهار العمومي عنها، وتهديد شركائها الخواص، يسمح لها بالحفاظ على خطها التحريري الذي لا يخدم العصبة التي تحضّر لمرحلة ما بعد بوتفليقة. كان وزير الاتصال، صاحب المبادرة برفع دعوى لإبطال صفقة بيع “الخبر” لـ«ناس برود”، يعلم بالتفاوض الذي جرى بين ربراب ومساهمي “الخبر” قبل إتمام العملية التجارية، بحكم أن الصحافة كتبت عنها. وبما أنه هو، والحكومة التي يمثلها، لم يتدخلا لتنبيه طرفي المفاوضات بأنهما سيقعان تحت طائلة المادة 25 من القانون العضوي للإعلام، (من وجهة نظر داعمي مسعى وزارة الاتصال)، فهذا يعني أنه وجدت نية في استهداف رجل الأعمال و«الخبر”. الأول عن طريق تعمّد أن يخسر مالا كبيرا ولا يحصل على أي شيء. والثانية الانتقام منها بسبب خوضها في قضايا ومواضيع معينة وفتح أعمدتها لأشخاص من شتى الآفاق، وهو ما لا يرضي السلطة. والهدف، هو أن تبقى “الخبر” دائما في وضعية هشّة مما يقضي، حسبهم، على جرأتها في تناول ما لا يعجبهم من قضايا.وبالرغم من وجود إجماع لدى المشتغلين بالقانون، بأن القضاء الإداري الذي عالج الملف، هو “قضاء الإدارة بامتياز”. فهو منحاز آليا إلى الحكومة عندما تكون طرفا في نزاع مرفوع أمامه. ولكن حجم القضية المرتبطة بسمعة “الخبر” داخليا وخارجيا، وحجم التجاوزات في حق القانون في هذا الملف، جعل بعض الذين لهم أمل في أن يصلح حال القضاء يوما ما، يتوقع احتمالأن تنحاز المحكمة الإدارية إلى القانون ويجنح القضاة إلى ضمائرهم. لكن منظومة القضاء أبت إلا أن تكرّس الصورة المعروفة عنها، وهي الخضوع للسلطة التنفيذية خضوعا كاملا. بل يمكن الجزم بأن القضاة أنفسهم جبلوا على هذا الخضوع، فلا يمكن أن يتصوروا أنفسهم أصحاب سلطة مستقلة عن بقية السلطات.وقد جاءت الإشارة من الوزير الأول، عبد المالك سلال، للفصل في القضية بشقيها الاستعجالي والموضوع (المضمون)، وفق وجهة النظر الواردة في دعوى إبطال الصفقة. فقد صرّح بأن الحكومة تؤيد العضو بها المكلف بالاتصال، في كل الإجراءات التي يتخذها “بهدف تطهير قطاع الإعلام”. كلام سلال أخذه القاضي محمد دحمان وزملاؤه، على أنه توجيهات ينبغي التقيّد بها. لم تكن الحكومة بحاجة إلى إصدار إملاءات مباشرة للقضاة حتى يصدروا قرار إلغاء الصفقة، فقد كانوا ينتظرون علامة بسيطة منها لتنفيذ المطلوب. أما القانون وموقف متتبعي القضية في الداخل، والرأي العام في الخارج، فهي اعتبارات تسقط أمام أهواء “الأمير”.في كل هذه القضية وملابساتها، كان القانون هو الضحية الكبرى. فقد داست عليه الحكومة وبترحيب من القضاء بطريقة فجّة، دونما احترام للأشكال التي كانوا يولونها أهمية في وقت سابق. فالقضاة المتحررون من قيود واجب التحفظ بعد أن غادروا المهنة، والمحامون الذين يمارسون القانون يوميا، والأساتذة الذين يدرّسونه، صاحوا جميعا بأعلى أصواتهم بأن وزير الاتصال لا يملك الصفة التي تتيح له رفع دعوى في قضية “الخبر”، لأن سلطة ضبط الصحافة المكتوبة المستحدثة في قانون الإعلام، والمستقلة عن الحكومة، هي الجهة الوحيدة المخولة بتنظيم شؤون الصحافة المكتوبة. والحاصل أن هذا غائب بينما كان يفترض تأسيسه منذ أكثر من 4 سنوات ونصف. هذا زيادة على أن القضاء الاستعجالي غير مختص في معالجة العقود التوثيقية، وطلبة معهد القضاء يشهدون بأن المقرر الدراسي لا يتضمن هذا الموضوع أبدا.غير أن “الأمير” عندما يرغب في تحقيق هواه، لا يكترث كثيرا لما ينص عليه القانون الصادر عن “السلطة التشريعية”، وهو متأكد من غياب سلطات مضادة تكبح جماحه وتوقف تعسفه (صحافة قوية، وجود رأي عام صارم فيما يخص الحريات، نقابات فاعلة في الميدان ونخبة قادرة على تشكيل وعي في أوساط عامة الناس). فالتفسير الذي أعطاه محامي الوزارة لتجاوز سلطة الضبط، هو أن “الدولة لا يمكن أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام خرق القانون”، بينما قانون الإعلام لا ينص على أي شيء اسمه “الدولة” فيما يخص تنظيم شؤون الإعلام لا المكتوب ولا السمعي البصري.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات