+ -

مثلما كان متوقعا، أصدرت المحكمة الإدارية ببئر مراد رايس بالعاصمة، أمس، قرارها بإبطال صفقة تحويل أسهم مجمع “الخبر” إلى شركة “ناس برود”، تأكيدا للأمر السابق بتجميد آثار العقد. لكن المفاجئ في القضية، ترديد محامي وزارة الاتصال نغمة جديدة، تتعلق بضرورة طلب جريدة “الخبر” لاعتماد جديد من الوزارة أو “غلقها”، وهو ما أصاب الحاضرين، بحالة شديدة من الذهول، لأن كلامه لم يكن مبنيا على أي أساس قانوني. لا تبدو السلطة عازمة على كف أوزار حربها على مجمع “الخبر”، فبعد أن استعملت كل أجهزتها في ضرب استقرارها المالي والتحريري، تريد اليوم الذهاب إلى السرعة القصوى بمصادرة حق الجريدة في الوجود أصلا. ذلك ما كشفته التصريحات شديدة الخطورة التي أدلى بها محامي وزير الاتصال، إبراهيم بن حديد، عقب إصدار الحكم بإبطال صفقة بيع “الخبر” لشركة “ناس برود”، فالجريدة من منظوره تصدر دون “اعتماد” منذ صدور القانون العضوي للإعلام لسنة 2012، معتمدا على تفسيرات قانونية غريبة وصادمة للعقل، قد تخفي وراءها نوايا غير معقولة.البارحة كان الموعد مع صدور قرار المحكمة الإدارية في قضية “الخبر”، وقد نطق القاضي بشكل سريع ومختصر، بالحكم القاضي بإبطال الصفقة، مع تحميل المدعى عليهم (مجمّع الخبر) مصاريف الدعوى، في ساعة مبكرة من الصباح، بما لم يسمح لجل الصحفيين الذين حضروا لتغطية الحدث من متابعة سير الجلسة، حتى أن بعضهم علّق ساخرا: “انتقلنا من عدالة الليل إلى عدالة الفجر!”. ومعروف أن وصف عدالة الليل، أطلق على العدالة بعد قرارها الشهير بإلغاء مؤتمر الأفالان الذي زكى علي بن فليس مرشحا عن الحزب في انتخابات 2004 في ساعة متأخرة.واستغل محامي وزارة الاتصال وجوده وحيدا قبالة المحكمة في ظل انسحاب محامي “الخبر”، ليسمح لنفسه بإعطاء التفسيرات القانونية التي تنسجم مع هوى وزارة الاتصال للصحفيين الذين اعترضوه عدة مرات، بسبب عدم معقولية ما كان يصرح به. وبحسب هذا المحامي، فإن الأمر لا يتعلق بعودة الوضعية السابقة التي كانت عليها الجريدة، أي عودة المساهمين القدامى وخروج “ناس برود” من قائمة المساهمين فحسب، وإنما بوجود قضية أخرى ستواجه بها الجريدة مستقبلا تتعلق بعدم قانونية الاعتماد الذي تنشط به منذ 26 سنة!بعد 26 سنة، “الخبر” بلا اعتماد في نظر الوزارة!بداية تصريحات المحامي إبراهيم بن حديد، كانت تخص تعليقه على الحكم الصادر بإبطال الصفقة، فقال مهددا: “إذا لم يستجب مجمع “الخبر” لتنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة، بعد إبلاغه به يمكن أن نذهب لدرجة “الغلق”. وهذه كانت بداية “الاستفزاز” لأن إدارة المجمع ليست مجنونة حتى تخالف أحكاما صادرة عن الدولة الجزائرية بعد أن تكون نهائية، لأن القضاء يعطيها الحق الكامل في استئناف الحكم. لكن كلام المحامي انحرف فجأة عن موضوع قضية “الخبر- ناس برود”، ليصب في مجرى آخر لم يكن واردا على الأذهان أصلا.قال المحامي إن جريدة “الخبر” بغض النظر عن الصفقة تنشط دون اعتماد، لأنها بزعمه لم تتكيف مع أحكام القانون العضوي للإعلام التقدم لوزارة الاتصال من أجل التكيف معه وذلك بطلب رخصة للنشاط واعتماد جديد. هنا استوقفه الصحفيون بطوفان من الأسئلة: هل تقصد الجرائد أم القنوات؟ هل يعقل أن “الخبر” ليس لها اعتماد اليوم وهي تصدر منذ 26 سنة؟ هل طلب اعتماد جديد يخص “الخبر” أم كل الجرائد؟ لماذا لم تطلب وزارة الاتصال يوما التقدم إليها والتكيف مع القانون الجديد؟أمام ذلك، كان المحامي بن حديد، يرد قائلا: “هناك الكثير من العناوين طلبت الرخصة وفق القانون العضوي لسنة 2012 وحصلت عليها”. يُسأل المحامي من جديد: “ما هي هذه الجرائد؟ وما هي المادة في القانون العضوي التي تفرض ذلك؟” فيعجز عن الإجابة. أصيب عدد من الصحفيين الحاضرين لتغطية الحدث، باستغراب شديد إزاء ذلك، وتساءلوا فيما بينهم إن كان ما يقوله المحامي ناتجا عن خلل في فهمه لقوانين أنتجتها الدولة ويبدو أنها صارت تستشكل حتى على محاميها، أم هو تمهيد لفتح جبهة جديدة مع جريدة “الخبر” بعد أن انتهت القضية الأولى؟القانون العضوي للإعلام يرد بنفسه على المحامي في قضية طلب اعتماد جديد، فهو ينص في مادته 131 الواردة في باب الأحكام الانتقالية على ما يلي: “يجب على العناوين وأجهزة الصحافة الـممارسة لنشاطها أن تتطابق مع أحكام هذا القانون العضوي خلال سنة واحدة ابتداء من تاريخ تنصيب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة”. فأين هي سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، حتى تتقدم لها العناوين الصحفية بطلب اعتماد جديد؟ ولماذا لم تنصب بعد 4 سنوات من صدور القانون؟ وهل يوجد في القانون ما ينص على أن وزارة الاتصال يمكن أن تحل محل هذه السلطة؟ لا شيء من ذلك موجود.هل تشكون الآن في أنها حرب على الصحافة؟الأغرب من كل ذلك عند هذا المحامي الذي يتكلم بمنطق وزارة الاتصال، أن عدم تنصيب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة يتحمل مسؤوليته الصحفيون أنفسهم، لأنه لا يوجد في الجزائر صحفي محترف، حسبه، حتى يملأ مقاعد هذه السلطة! لكن القانون نفسه يتحدث عن لجنة دائمة لبطاقة الصحفي المحترف لم تقم بتنصيبها الوزارة، وبالتالي وزير الاتصال نفسه هو من يتحمّل مسؤولية هذا الوضع، بل هو من صرح أن سلطة ضبط الصحافة المكتوبة ليست لها أهمية وسيعمل على إلغائها رغم أنها صدرت في قانون عضوي يأتي في الأهمية بعد الدستور مباشرة.هذا الاستخفاف بتفسير القوانين على خلاف ما تقوله نصوصها الصريحة، يؤكد أن الأمر في قضية “الخبر” يتجاوز منطق القوانين إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، فالنية صارت واضحة في تدمير الجريدة لمن كان ينطلي عليه الخطاب القانوني الظاهري للسلطة. فها هو شبح ربراب الذي كانوا يستعملونه للتخويف قد رحل، لكن المضايقات على الجريدة لازالت مستمرة، وتتجدد في كل مرة بأساليب جديدة، ما يؤكد أن الحرب.. هي حرب على حرية التعبير والصحافة التي تغرد خارج فلك السلطة، إلا لمن أراد أن يغمض عينيه عن هذه الحقيقة الساطعة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات