38serv
تكشف قضية إبطال عقد التنازل عن غالبية أسهم مجمع “الخبر” لفائدة “ناس برود “، ليس فقط المساس بحق مكرس دستوريا، وهو حرية الاستثمار والتجارة، وإنما التعدي أيضا على حرية التعبير المنصوص عليها في المواثيق الدولية، من خلال السعي إلى وأد جريدة يشهد لها بالصدق والمصداقية. شهد مسار مقاضاة “الخبر” من قبل وزارة الاتصال، منذ تاريخ رفع الدعوى يوم 27 أفريل إلى غاية صدور قرار إبطال عقد البيع الصادر، أمس، من طرف المحكمة الإدارية، العديد من الخروقات القانونية، بعدما سطت وزارة الاتصال على صلاحيات ومهام سلطة الضبط للصحافة المكتوبة المنصوص عليها في القانون العضوي المتعلق بالإعلام الصادر يوم 12 جانفي 2012. إذ في الوقت الذي أجمع فيه كل القانونيين والمحامين على اختلاف مناهلهم، على أن وزارة الاتصال لا يحق لها رفع الدعوى لإبطال صفقة “الخبر - ناس برود”، لأن هذا الإجراء من اختصاص سلطة ضبط الصحافة المكتوبة دون غيرها، قبلت المحكمة الإدارية الدعوى بناء على مرسوم يحدد صلاحيات وزارة الاتصال صادر قبل 2012، على حساب قانون عضوي للإعلام جاء بعده، يعد من حيث الأهمية والقوة بعد الدستور مباشرة. هذا يعني أن وزارة الاتصال سطت على مهام وصلاحيات سلطة ضبط الصحافة المكتوبة المنصوص عليها في 18 مادة في قانون الإعلام لسنة 2012، دون أن يتم تعديل القانون في البرلمان أو صدور قانون آخر يلغيه. فلماذا تشرّع القوانين ما دامت لا تحترم حتى وإن كان قانون عضوي يحتاج تمريره في البرلمان إلى الأغلبية المطلقة؟ وما قيمة القانون مادام المرسوم أكثر أهمية منه؟باستثناء المادة 22 من قانون الإعلام التي تذكر اسم الوزارة المكلفة بالاتصال التي يعود إليها منح الترخيص عندما يتعلق الأمر بـ«طبع أي عنوان مملوك لشركة أجنبية”، فإن كل مواد القانون سالف الذكر من 11 إلى 20 تمنح سلطة ضبط الصحافة المكتوبة كل الصلاحيات بما فيها “وقف صدور النشرية إلى غاية مطابقتها”، مثلما ورد في المواد ما بين 27 إلى 32، في وقت يسعى محامي وزارة الاتصال في تصريحاته، أمس، إعطاء صلاحية وقف صدور الصحف التي لا تتطابق مع المادة 131 من قانون الإعلام، لوزارة حميد ڤرين، وهو خرق مفضوح للقانون. إذ ما دامت سلطة ضبط الصحافة المكتوبة لم تنصب منذ إقرارها في قانون 2012 إلى غاية اليوم، وهي مسؤولية تتحملها السلطات العمومية وكان على البرلمان محاسبة الحكومة عليها، فكيف يطلب من الصحف أن “تتطابق مع أحكام القانون العضوي خلال سنة واحدة ابتداء من تاريخ تنصيب سلطة الصحافة المكتوبة” التي لم تنصب منذ 4 سنوات. ويهدف الخرق إلى الاستحواذ على هذه الصلاحية القانونية المخولة لسلطة الضبط لفائدة وزارة الاتصال، رغم أنها جهة حكومية، بينما المشرّع منحها لجهة محايدة، وهي سلطة الضبط. فلماذا لم تقم الحكومة، مادامت تملك الأغلبية في البرلمان، بتعديل القانون وإلغاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة وحل محلها وزارة الاتصال، عوض خرق القانون جهارا نهارا ؟الخرق الآخر لوزارة الاتصال لقانون الإعلام، سجل أيضا في منح بطاقة الصحفي المحترف التي أوكلها القانون في مادته 78 إلى لجنة، وهذه اللجنة، مثلما أوضحه وزير الاتصال السابق، ناصر مهل، أمام نواب المجلس الشعبي الوطني، ومسجلة في الجريدة الرسمية للمجلس، تخضع لسلطة الضبط دون غيرها، غير أن الوزير الحالي أخضعها لسلطته. فهل نحن في دولتين مختلفتين؟ عندما يتحول القانون إلى مادة “مطاطية” يمكن تمديدها إلى الجهة التي تريدها السلطة الحاكمة، فلا غرابة أن تتحول حرية التعبير وحرية التجارة والاستثمار وجميع الحريات الأخرى، في غياب دولة الحق والقانون، إلى مجرد حروف على الورق لا وجود لها في الممارسة اليومية.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات