"إلزام الضباط المتقاعدين الصمت مخالف للدستور"

+ -

لوحظ في الفترة الأخيرة تعسف في استعمال الحبس المؤقت في قضايا كثيرة، مثل سجناء “كا.بي.سي” والجنرال بن حديد.. ما رأيك فيما يجري؟ دعني أتكلم معك من حيث المبدأ العام، لأن الكثيرين يعانون من الحبس المؤقت وليس هؤلاء فقط. هذا الإجراء لا يسمح به قانون الإجراءات الجزائية إلا في حالات خاصة جدا، عندما لا يعطي المتهم الضمانات الكافية. لكن على الرغم من التدابير القانونية، أصبح الحبس المؤقت قاعدة بأتم معنى الكلمة، وهذا ما يصطدم مع الدستور الذي ينص على قرينة البراءة، والحبس المؤقت الذي هو نفسه الحبس الاحتياطي الذي قيل بأنه ألغي، يتناقض تماما مع فلسفة قرينة البراءة.لا أبالغ أبدا إن قلت إن الحبس الاحتياطي أصبح “صناعة” في هذا البلد وثقافة انتشرت رغم النصوص الموجودة، ما يجعل المتقاضي ليس آمنا على حريته. الذي يجعلني محتارا أن الحبس الاحتياطي في حقيقته لا يصلح لشيء، فقاضي التحقيق يمكنه القيام بنفس الإجراءات مع المتهمين وهم في الإفراج، ويمكنه استعمال الرقابة القضائية. الإبقاء عليه للأسف هو انحراف خطير.أقول إن الحبس الاحتياطي خاصة في قضايا الجنح، أصبح عقوبة مسبقة ضد المتهم. المفروض أن قاضي التحقيق هو قاض وسيط يبحث فقط عن الأدلة التي تثبت التهمة والتي ترفعها كذلك. لكن عندما يضع المتهمين في السجن، فمعنى ذلك أنه يعاقبهم، وبهذا يستولي على صلاحيات قاضي الموضوع الذي له الحق في إدانة الأشخاص.هل وزير العدل يتحمّل مسؤولية هذه الانحرافات؟ لا أظن أن الوزير يتحمّل مسؤولية وضع الأشخاص في الحبس الاحتياطي. على الأقل أنا لم أسمع بحالة كهذه خلال مدة اشتغالي الطويلة في ميدان المحاماة. المسؤولية تقع على قضاة التحقيق، لأن المفروض فيهم أن يطبقوا القانون ويحتكموا إلى ضمائرهم، لأن إيداع الناس الحبس ليس بالشيء الهين. المشكلة أن غرفة الاتهام التي هي غرفة تحقيق درجة ثانية موجودة على مستوى المجالس القضائية، غالبا ما تؤيد قاضي التحقيق درجة الأولى، وهي بذلك للأسف لا تلعب دورهم لتصويب قاضي التحقيق الأول إذا أخطأ.تحميلك المسؤولية للقضاة وحدهم يفترض أننا أمام سلطة قضائية مستقلة..؟ هناك مسؤولية تتحمّلها وزارة العدل لا شك في ذلك. لم ألحظ خلال مساري المهني أن قضاة قد عوقبوا بسبب إفراطهم في استعمال الحبس الاحتياطي. لكني رأيت بالمقابل أن هناك من عوقب بسبب منحه الإفراج للمتهمين. الذي يُعاقب في هذه الحالة هي وزارة العدل، لكن ذلك يتم على مستوى مفتشين ومسؤولين في الوزارة وليس الوزير نفسه. أقول هذا الكلام، لأن هذه القضايا التي تلفت انتباه الرأي العام غالبا ما يتهم فيها وزير العدل بتوجيه قضاة التحقيق، لكن الحقيقة أن مشكلة الحبس الاحتياطي لا تقف عند القضايا الكبرى، وهي موجودة بكثرة على مستوى المحاكم، فهل يعقل أن يكون قضاة التحقيق أيضا خاضعين للوزير في قضايا عادية؟ هذا ما يجعلني أؤكد أن المسألة تتعلق برمتها بثقافة ينبغي استئصالها عند قضاتنا.كيف رأيت تشديد إجراءات واجب التحفظ على الضباط المتقاعدين من منظورك الحقوقي؟ حرية التعبير مقدسة ومدونة في الدستور، وبالتالي لا يستطيع أحد التقليل منها. أنا تفاجأت من وضع هذا القانون لأنه لا يتناسب تماما مع الدستور. الضباط المتقاعدون كغيرهم من المواطنين من حقهم التعبير عن آرائهم في السياسة وفي غيرها، شأنهم شأن بقية المواطنين، وعليهم فقط الالتزام بعدم إفشاء أسرار الدولة أو الإضرار بأمنها القومي ووحدتها الوطنية، وهذا ما كان موجودا في القوانين السابقة، والضباط يعرفون ذلك جيدا.هل ترى أنه يحق لهم الحديث في موضوع خلافة الرئيس بوتفليقة مثلا؟ نعم وما المانع، فهذا شأن سياسي يهمهم كمواطنين أولا. إذا كنا نسعى لبناء دولة قانون فعلينا أن نقتنع بأن كل مواطن له الحق في إبداء رأيه دون خوف أو تجاوز.لو نأخذ كمثال على ذلك انتقادات بن حديد لجماعة الرئيس وقائد أركان الجيش، هل في رأيك يستحق السجن بسبب موقفه؟ ما قاله يدخل بصفة عامة في حرية التعبير. صحيح أن كلامه كان مبالغا فيه، لكن ذلك لا يعني أبدا المبالغة في استعمال القانون معه. هذا الرجل هو إنسان محترم ويتمتع بكل الضمانات التي تسمح له بالمحاكمة وهو في الإفراج. أنا لا أقول إنه بريء، لكن لا أفهم استعمال الحبس الاحتياطي معه، فالحرية هي القاعدة.البعض رأى في ذلك محاولة لمنع ضباط “الدياراس” السابقين من انتقاد الرئيس ومحيطه..؟ لا أفهم لماذا يمنع ضباط “الدياراس” من الحديث. أليسوا مواطنين؟ القانون يضمن للجميع الإدلاء بآرائهم في إطار الاحترام. طبعا هذا القانون نحترمه مادام جرى التصويت عليه في البرلمان، لكني لا أشاطر أفكاره.ما هي الدوافع التي أدت في اعتقادك لظهور هذه القوانين؟ لا أعلم إن كانت مبنية على الصدفة أو أنها تهدف لأمر ما. لكنها فاجأتني صراحة، لأننا كنا ننتظر العكس بعد الدستور الجديد. ولا أخفيك أني أشعر بالقلق إزاءها لأنها لا تعمل على تعزيز الديمقراطية.باعتباركم هيئة استشارية تابعة لرئاسة الجمهورية. هل تعتقدون أن الرئيس هو من كان وراء هذه القوانين، وهل قدمتم له استشارة حولها؟ الأكيد أن الرئيس بوتفليقة مطلع على هذه القوانين لأنها صدرت من مجلس الوزراء. الرئيس يعرف مبادئنا ونحن نعتبر هذه القوانين غير لائقة، لكن لدينا أمل في إمكانية أن تتغير وتأتي قوانين أخرى أكثر مواءمة لروح الدستور الجديد.بعض الأحزاب اشتكت من إدراج نسبة 4 بالمائة كشرط للترشح في الانتخابات.. هل يعد ذلك في منظورك هضما لحقوقها السياسية؟لا أعتقد ذلك.. من لم يقدر على تحقيق نسبة 4 بالمائة في الانتخابات السابقة، كيف له الترشح في الآتية؟ أنا أؤيد هذا الإجراء لأنه يقضي على الأحزاب الوهمية.ما رأيك في التقارير الأمريكية المتتالية التي تنتقد الوضع في الجزائر؟ هذه التقارير مغلوطة ومبالغ فيها، خاصة التقرير الأخير الذي يتحدث عن الاتجار بالبشر. للأسف الإدارة الأمريكية تعتمد على معلومات غير رسمية من مراسليها في الجزائر، كبعض مرتادي السفارة الأمريكية الذين يرددون أكاذيب حول بلادهم. لهذا السبب أنا امتنعت منذ مدة طويلة عن تلبية الدعوات التي توجه لي. مصلحة الجزائر تقتضي أن نكون حريصين جدا في التعامل مع هؤلاء.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات