عـودة الدفء إلى العلاقات بين الجزائر والرياض

+ -

تشهد العلاقات الجزائرية السعودية، منذ أسابيع قليلة، حالة من الدفء بعد فتور أصابها على خلفية تباين واضح في وجهات النظر والقراءات الجيو-سياسية حول أحداث اليمن وسوريا، صعّده تدهور أوضاع السوق النفطية وحالة الانقسام التي تميز العمل العربي المشترك.أول مؤشرات تحسن العلاقات بين البلدين، رسالة بعثها خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بمناسبة الذكرى 54 لعيد الاستقلال، والتي ضمنها تأكيده على حرص القيادة السعودية على تعزيز العلاقات مع الجزائر واستعدادها للمشاركة في تقويتها.وجاء في رسالة الملك سلمان، أنه يشيد “بتميز العلاقات التي تربط بين البلدين الشقيقين، والتي يحرص الجميع على تنميتها في المجالات كافة”.وفي هذا الصدد، أكدت مصادر مطلعة أن الجزائر استقبلت هذه الرسالة بـ”ارتياح كبير”، وسارعت إلى الرد عليها برسالة رئيس الجمهورية التي أكد وقوفه إلى جانب السعودية في حربها على الإرهاب الذي استهدف، ليلة عيد الفطر، مدن القطيف وجدة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة.فقد استنكر بوتفليقة في رسالته تلك الاعتداءات، مخاطبا الملك السعودي: “في هذا الظرف العصيب أعرب لكم باسم الجزائر شعبا وحكومة وأصالة عن نفسي عن صادق تعازينا وخالص تعاطفنا لعائلات الضحايا وتمام تضامننا مع الشعب السعودي الشقيق تحت قيادتكم الرشيدة، داعين الله أن يجنب المملكة العربية السعودية الشقيقة كل سوء ومكروه”، بالإضافة إلى تدخل وزير الشؤون الدينية، محمد عيسى، في قناة “العربية”، واصفا المملكة بـ”الشقيقة الكبرى” وأن استهدافها باعتداءات إرهابية يعتبر استهدافا للجزائر واعتداء عليها.وقبل ذلك، شكلت الرسالة التي بعث بها بوتفليقة إلى الملك سلمان، نقلها المستشار الخاص للرئيس، الطيب بلعيز، شهر أفريل الماضي، متضمنة رؤى الجزائر حول قضايا اليمن وسوريا وحزب الله، ما قد يبدو للرياض وحلفائها من الدول العربية والإسلامية أنه تقويض لدورها الإقليمي ومعاداة لمصالحها.وجاء على لسان بلعيز حينذاك: “جئت إلى المملكة حاملا بعض التوضيحات، قد يبدو للبعض خطأ بأن بعض المواقف التي تأخذها الجزائر بشأن عدد من القضايا الساخنة المطروحة على الساحة العربية وحتى الإقليمية تخالف بعض شركائها العرب”٬ غير أنها في حقيقة الأمر هي “راجعة في الأساس إلى موروثها التاريخي منذ الثورة التحريرية القاضي بعدم التدخل في الشأن الداخلي لغيرها من البلدان، وتستند إلى دساتيرها التي تحظر على قواتها المسلحة أن تتخطى حدود البلاد، دون أن يمنع ذلك من أنها تقدم مساعدات جد كبيرة في ميادين أخرى، من منطلق أنها تفضل دائما الحلول السياسية السلمية٬ وترفض العنف الذي تؤمن بأنه لا يولد إلا العنف”.وتشير ذات المصادر إلى أن قنوات التواصل بين الجزائر والرياض عرفت قبل ذلك مساعي حثيثة لإنهاء حالة “برود العلاقات”، وذلك من خلال الزيارات الخاصة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف، الذي تربطه علاقات وطيدة مع صناع القرار في الجزائر، لتنتهي بإعادة تكليف السفير السعودي السابق، سامي الصالح، بترميم العلاقات وإعادة تفعيلها.وتقول مصادرنا إن هذا الإجراء يعد سابقة في تاريخ الدبلوماسية السعودية، إذ لم يحدث أن أعيد سفير سابق تولى نفس المهام من قبل طيلة 13 سنة.قلق من دور إيرانيوتشدد مصادرنا على أن التقارب الجزائري - الإيراني، الذي غذته أزمة أسعار البترول، واغتنام طهران فتور العلاقة مع السعودية، لتصعيد تحركاتها الدبلوماسية وتنشيط شبكات تصدير التشيّع، والذي سرعان ما تراجعت وتيرته بعد إعراب الجزائر احتجاجها عليه، وإبلاغ خيبة أملها من قرار إيران عدم التعاون داخل منظمة أوبك لخفض إنتاجها، الأمر الذي أربك الدبلوماسية الجزائرية وجعلها تراجع حساباتها، التي تضمنت زيارة وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، عبد القار مساهل لسوريا، واستقبال الجزائر وزير الخارجية السوري وليد المعلم.وإلى غاية زيارة الوزير المعلم، كان الحديث عن فتور في العلاقات بين الجزائر والرياض ضربا من ضروب الخيال، بالنظر إلى العلاقة الشخصية التي يحتفظ بها رئيس الجمهورية مع قادة دول منطقة الخليج العربي.وفي هذا الإطار، يعتبر تبني الجزائر مواقف مثيرة للجدل تجاه مسائل تعج بها المنطقة العربية، من أسباب توتر علاقتها مع الرياض. فمن تباين المصالح الاقتصادية والطاقوية، مرورا بمعارضة التدخل السعودي في اليمن وسوريا، وانتهاء برفض وصف حزب الله اللبناني تنظيما إرهابيا عربيا، لم تخف الجزائر انزعاجها من احتضان مجلس التعاون الخليجي للمغرب ودعمه له في شتى المجالات وعلى رأسها أطروحة “مغربية الصحراء الغربية”، ما دفع الجزائر للرد على ذلك بإظهار تقارب غير طبيعي مع إيران، وإن اجتهد وزير الدولة مدير الديوان الرئاسي، أحمد أويحيى، في التهوين منه، بحكم أن هذا الموقف المساند للرباط قديم ولا يشكل إحراجا للجزائر.ومن مؤشرات الأزمة التي صارت من الماضي، رفض بوتفليقة استقبال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، الذي زار الجزائر نهاية ديسمبر الماضي، وتكليفه الوزير الأول عبد المالك سلال ووزير الخارجية، رمطان لعمامرة، باستقباله.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات