البحـر يغــري العائـلات بعـــد الإفطار

38serv

+ -

تحولت شواطئ بلدية برج الكيفان في ليالي رمضان إلى وجهة مفضلة لكثير من العائلات العاصمية. ومع أن مثلجات هذه المنطقة زحزحتها تلك المتواجدة بسطاوالي، إلا أن برج الكيفان راحت تسكن مخيلة كثير من الناس ممن اكتشفوا سحر وجمال الواجهة البحرية الممتدة على قرابة 10 كيلومتر، حتى أن بعض العائلات تفضل تناول سحورها على الشاطئ.الجزائر: نوار سوكوبدت مختلف العربات عند الساعة العاشرة ليلا كما لو أنها في سباق لدخول مدينة برج الكيفان التي لم تعد كما كانت، طالما أن الدخول إليها بات مثيرا للأعصاب من فرط الازدحام، ولاسيما بعد أن أصبح خط الترامواي يمتد على مساحات وفضاءات هامة من المدينة، قلص بالتالي من هامش تجوال المواطنين ونشاط التجار واختفت إثر ذلك سطوح وفضاءات لبيع وتناول المثلجات.الترامواي.. الوافد الجديدومع أن الترامواي أنجز قصد تخفيف ضغط الازدحام بتسهيل مهمة دخول وخروج الناس من وإلى المدينة، إلا أن ما شهدناه يطرح في الحقيقة علامة استفهام بشأن المنطق المتبع لدى كثير من الجزائريين، هو أن عدد السيارات التي تجول في المدينة كبير جدا يعرقل حتى حركة سير المواطنين في الشوارع، فهل معنى ذلك يعود إلى أن الجزائري مازال مخياله الجماعي إلى غاية اليوم يحمل صورة رمزية عن السيارة (رمز الرفاهية)، ما جعلهم بالتالي يتباهون ويتمظهرون على بعضهم البعض على نحو سبب حالات اكتظاظ في قلب المدن والطرق السريعة؟ فالذي يذهب إلى المسجد يستعمل سيارته حتى ولو كانت المسافة لا تتعدى مائة متر والأمر نفسه بالنسبة للذي يذهب لشراء كيس حليب أو الخبز.. ذلك بدل أن يسود الوعي وتستعمل السيارة في حدود المعقول. الترامواي هو وافد جديد في ثقافة الفضاء بمدينة برج الكيفان، لأن هذه الوسيلة التي تعبر وسط المحور الرئيسي للمدينة من شأنها أن تعطي بعدا للتنمية الحضرية، بعد أن سهلت على أبناء المنطقة وباقي الضواحي الشرقية القريبة منها (أحياء قهوة شرڤي، برج البحري، درڤانة، باب الزوار) التنقل إلى قلب العاصمة في أقل من ساعة، بل جنبتهم جحيم الازدحام في الطرقات الذي حول الناس إلى كائنات مضغوطة بامتياز والعاصمة إلى سجن يكبر كل يوم.كما أصبح في وسع العائلات العاصمية أن تتنقل بسهولة عبر الترامواي إلى برج الكيفان وباقي الضواحي الشرقية، ولو أن العارفين من أبناء المدينة يقولون ما الذي يمنع السلطات المحلية والمركزية من فتح خط بحري على امتداد بضعة كيلومترات بين برج الكيفان وميناء الجزائر؟ ومع ذلك، فإن كثيرا من أبناء المدينة يتحسرون على الوجه الذي آلت إليه برج الكيفان اليوم في عهد الترامواي “كل شيء تغير في المدينة، بعد أن احتل خط الترامواي الشارع الرئيسي والواجهة الرئيسية للمحلات والصالونات، فاختفت إثر ذلك سطوح تناول المثلجات وأرغم تجار آخرون على تغيير نشاطهم فيما قرر آخرون غلق محلاتهم”، يقول كمال، 39 عاما.أجواء بهيجةكانت شوارع مدينة برج الكيفان تعيش أجواء رمضانية بهيجة رسمتها الأضواء الزاهية وحركة زوارها القادمين من مختلف الضواحي والبلديات، فيما كان ما تبقى من محلات وصالونات بيع المثلجات في الموعد، بعدما أصبح شائعا أن مثلجات برج الكيفان لها نكهة خاصة. ودأب الناس على الإيمان بهذا الاعتقاد، ولو أن بعض صناع المثلجات يقولون إنها لا ترقى في نوعيتها إلى تلك التي يتم إعدادها في سطاوالي، ذلك في وقت كانت الحشود البشرية المشكلة من شباب وعائلات تتدفق تباعا على شوارع المدينة. وبينما كانت وجهة البعض هي اختيار أمكنة وفضاءات في بهو محلات بيع المثلجات، كانت وجهة البعض الآخر شاطئ البحر، والقاسم المشترك بين من يشتهون المثلجات ومن يعشقون البحر هو  تعلقهم بمدينة برج الكيفان.سحر الواجهة البحرية..كانت الساعة منتصف الليل عندما راحت نسمات البحر تجعل الجو أكثر انتعاشا والبحر أكثر إغراء يشد إليه عشرات العائلات بحبائل سرية سحرية، كما لو أن البحر هو فاكهة رمضان. في غمرة ذلك، يكتظ شارع علي خوجة بزواره والمترددين عليه، بعد أن فتحت به مطاعم ومحلات بيع المثلجات، ثم تتدفق الحشود البشرية من عائلات وشباب تباعا على الممرات والطرقات الصغيرة المؤدية إلى شاطئ عروس البحر1 وعروس البحر 2، لتصل عملية الصفا والمروة إلى ذروتها عبر الشارع الرئيسي المشكل للواجهة البحرية الذي يمكن الوصول إليه عبر الطريق الوطني رقم 24، وهي الواجهة التي نمت وتكاثرت بها فنادق ومراكز أعمال.رواد هذه الواجهة البحرية لا يملون من المشي وربما استهوتهم الأجواء المنعشة والمنظر الرائع للبحر، خاصة أنها واجهة ممتدة على أزيد من 7 كيلومترات تتراءى لك عبرها عاصمة الدولة الجزائرية لوحة مفروشة على شاطئ البحر. لكن الواجهة البحرية، وحسب ما شهدناه، يتقاطع فوقها جمال المنظر مع الباعة الفوضويين ممن حولوا المكان إلى فضاء لعرض ما لديهم من ألبسة وأقمشة وحلي وأغراض أخرى ليست لها علاقة بسياحة البحر، ما يطرح بالتالي تساؤلا آخر عن سر عدم التفات السلطات المحلية من حولها قصد حماية هذه الواجهة وتنظيمها استجابة لخصوصيتها السياحية، لأن ما لحظناه هو أن من هب ودب يقوم بعرض ما يشاء من أشياء بغية بيعها. ويقول بعض العارفين بشواطئ المدينة من أبناء المنطقة إن هناك تناقضات ونقائص أخرى لا تزال السلطات المحلية تلتزم الصمت إزاءها إلى غاية اليوم، بين هذه التناقضات وجود محلات منتشرة على طول الواجهة البحرية مختصة في نشاطات لا صلة لها بتاتا لا بالبحر ولا بالسياحة مثل محلات بيع قطع غيار السيارات والميكانيك وغيرها، في وقت كان يفترض على القائمين على تسيير البلدية العمل وفق دفتر شروط يستجيب لخصوصية الواجهة البحرية.لا مراحيض ولا حمامات..ومع ذلك، فإن برج الكيفان التي تمتد شواطئها على مسافة 7 كيلومتر، ولا تتوفر حاليا لا على مراحيض عمومية ولا على حمامات أو مرشات أو هياكل خاصة بحراسة الشواطئ بإمكانها أن تتحول إلى أول مقصد سياحي ممتاز في العاصمة، خاصة أن عددا من أبناء المدينة يعترفون بأن الوضع أخذ في التحسن، على اعتبار أن هذه الشواطئ التي فتحت أمام العائلات والمصطافين منذ 3 سنوات يمكن أن تتكامل وتصبح ممتدة على خط واحد إلى غاية منتزه (الصابلات).السباحة مسموحة..في حدود الساعة منتصف الليل و30 دقيقة كان شاطئ عروس البحر 1 غاصا بالعائلات، بينها من كانت تسبح على وقع الأضواء الخافتة المنبعثة من الشارع الرئيسي، وعلى بعد أمتار عن الشاطئ كان بعض الشباب يجتهدون لتحضير ما ألزم من شواء وعجائن للزبائن، بينما كان شاطئ عروس البحر 2 أكثر حيوية ونشاطا وجمالا، لأن المكان زينته ألعاب الأطفال المتمثلة في أنواع السيارات بعد أن وفق وأبدع صاحبها في اختيار أشكالها الرائعة، وربما هي حيلة للإيقاع بالعائلات، بينما اجتهد زميله في إحضار أحصنة جميلة ليبدو الليل أجمل في عيون الأطفال.بين السباحة ولعب الأطفال، كان صناع المثلجات قد تفرغوا تماما إلى مهنتهم، كما لو أنها ساعة الحسم لاستقطاب مزيد من العائلات إلى فضاءاتهم، بينما كانت عناصر الأمن تقوم بدوريات منتظمة تحسبا لأي طارئ. في غمرة ذلك، كان شاطئا عروس البحر 1 وعروس البحر 2 يستقطبان إليهما مزيدا من العائلات، خاصة أن بعضها كانت تأتي بزادها ربما لتناول وجبة السحور، لأن بعضا من أبناء المدينة يقولون إن تناول السحور على الشاطئ تحول إلى عادة عند بعض العائلات، ومع ذلك يمكن القول إنها شواطئ بحاجة إلى تنظيم من جانب توفير بعض الخدمات وإقامة السهرات حتى تأخذ هذه الشواطئ حقوقها كاملة.الخصوصية السياحية تتضرر..في هذه المدينة التابعة للدار البيضاء، كان يفترض الحفاظ على الخصوصية السياحية، على اعتبار أن الإدارة الاستعمارية عندما أسست بلدية (فوردلو) سنة 1881 جعلت منها منتجعا سياحيا بامتياز وبمواصفات أوروبية، وشيدت بها فنادق وكازينوهات وملاه.. بل أبدع المهندسون المعماريون في تصميم شوارعها وعمرانها واحترام خصوصية إطلالتها على البحر، حتى أنه كان ممنوعا على (الأنديجان) دخولها، واحتلت مكانة امتيازية في مخيلة الجزائريين حتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي، لتتعرض بذلك للإهمال عندما احتلت النفايات والفضلات حيزا هاما من فضاءاتها المطلة على البحر، بعد أن سطع نجم سماسرة استفادوا من ملابسات عديدة، كالعقار والمتاجرة بالنساء.. والى ذلك، ينسى كثير من الجزائريين أن ثقافتهم هي جزء من ثقافة البحر المتوسط التي لا تحمل أي صلة بالمعتقدات والمفاهيم التي تجعل الإنسان يحول نفسه إلى حزام أو عبوة ناسفة أو يرتدي النقاب والتشادور.على أرض برج الكيفان، تقاطعت ثقافة الأتراك مع ثقافة الأوروبيين، إذ يعود الفضل في تشييد برج الكيفان الواقعة على بعد نحو 7 كيلومتر إلى شرق العاصمة وسط واجهتها البحرية إلى محمد باشا كردوغلي، أحد القادة العثمانيين ممن حكموا الجزائر بين 1718 و1724.الأخير اختار عند تشييد برج الكيفان صخرة شبيهة برأس صغير تتواجد على شاطئ البحر، استنادا لما تشير إليه بعض الخطاطات التاريخية. وقام الأتراك ببناء حصنين مازالا شاهدين إلى غاية اليوم، يقعان على امتداد الواجهة البحرية حي اسطنبول ووسط المدينة تحسبا لصد أي غزو قد تتعرض له المنطقة. لكن الإهمال الذي لقيه هذان الحصنان يعطي الانطباع بأن مثل هذه المعالم ليس لها أي قيمة رمزية فنية أو تاريخية، طالما أن أغلب المعالم المتواجدة في الجزائر (مقام الشهيد..) فقدت قيمتها الرمزية ولم تعد قادرة لا على جلب ولا استقطاب الناس إليها، لأن القائمين على تسيير الشأن الثقافي زجوا بالثقافة والسياحة في “كليشيهات” جعلت الناس ينفرون حتى من إرثهم التاريخي والثقافي لأنهم يحملون صورة مشوهة عنها في مخيالهم الجماعي، على خلاف ما هو معمول به في باقي البلدان المتسابقة والمتنافسة على الاستثمار في الصناعة السياحية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات