"لوح تغاضى عن تجاوزات خطيرة في قضية الخبر"

+ -

هل يوجد ربط بين حكم تجميد صفقة “الخبر” وقضية حبس مدير “كا.بي.سي”؟ مهدي بن عيسى هو مدير شركة ناس برود، التي اشترت أسهم “الخبر”، و”الخبر” طرف في الدعويين المنظورتين أمام القضاء الاستعجالي. ألاحظ أن النزاع انتقل من ساحة القضاء الإداري إلى القضاء الجزائي، وأن الحادثتين وقعتا في بضعة أيام.في ملف متابعة بن عيسى وحرتوف والسيدة نجاي، ورد بأن الدرك الوطني تحرك بناء على معلومات من “مصدر موثوق”، صرّح بأن تلاعبا حدث في تراخيص برنامجي “كي حنا كي الناس” و”ناس السطح”. ما قراءتك كقاضي نيابة سابق، للجهة المجهولة التي تحرك الدرك بناء عليها؟ جهاز الدرك كقوة عمومية مكلف بصلاحيات الشرطة القضائية، أي التحري عن الجرائم وقمعها، ومن حقه تلقي معلومات وبلاغات من أطراف معلومة أو مجهولة. لكن في هذه القضية لا يكفي الاعتماد على ما سمي المصدر الموثوق، فلو لم يكن هناك ضوء أخضر من جهة عليا لما تم تحريك الدعوى.تقصد أن النيابة تأتمر بتعليمات وزير العدل؟ اعتقادي أن أمرا كهذا يتجاوز قائد الدرك وحتى وزير العدل، فالقضية ذات خلفية سياسية والهدف من ورائها سياسي. بمعنى أن الهدف هو إيجاد ذريعة لتوقيف البرنامجين نظرا لطابعهما النقدي اللاذع تجاه السلطة ورجالها.ألهذا الحد تخشى السلطة من برنامج تلفزيوني ترفيهي؟ السلطة في الجزائر هشّة بسبب فقدان الشرعية وضعف الآداء. هي غير ديمقراطية ولا تتقبل حرية التعبير والنقد، وفي البرنامجين اللذين تم إيقافهما، انتابتها مخاوف من تأثيرهما على الرأي العام. فقد لقيا صدى إيجابيا لدى المشاهدين، وكان لابد من وقفهما.ألم يكن في وسع السلطة سحب تراخيص البرنامجين بدل اللجوء إلى الحبس؟ كان لا بد أن يسوّقوا للرأي العام بأن الثلاثة المتواجدين في الحبس حاليا، خالفوا القانون وبالتالي يستحقون العقاب، وأن السلطة ضحية في هذه القضية. وكقاضي تحقيق سابق، ألاحظ بأن المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية المعدّل في 2015 تنص على أن الإفراج هو الأصل في مرحلة التحقيق، أي ترك المتهم في إفراج، والاستثناء هو الرقابة القضائية، واستثناء الاستثناء هو الحبس المؤقت.  وإن كنت ليس لديّ علم بحيثيات أوامر حبس الثلاثة، فالقضية وظروف تحريكها وخلفياتها السياسية تدفعني إلى القول بأنهم سجناء رأي، ويجب التذكير في هذا المقام بأن المادة 50 من الدستور تمنع حبس الصحافيين ورجال الإعلام.من تتصور أن يكون وراء قضية “الخبر” وتبعاتها؟ مادامت الجهة الشاكية غير معلومة ولا تريد الظهور أمام الرأي العام، وفضلت أن تتغطى بلباس المصدر المجهول، وبالنظر إلى أن الخلفية والأهداف سياسية، فالقرار في اعتقادي اتخذ على مستوى رئاسة الجمهورية وأسند تنفيذه إلى وزارة الدفاع ووزارة العدل.ما هي مسؤولية السلطة القضائية، ووزير العدل كممثل للسلطة التنفيذية في قضية متابعة “الخبر”؟ وظيفة السلطة القضائية حماية المجتمع وضمان حقوق كل مواطن وحرياته الأساسية، وعملها ينبغي أن يتم في إطار القانون طبقا للمادة 156 من الدستور. وفي حال التعدّي على القانون من طرف أحد أعضائها، بإمكان فتح باب المساءلة طبقا للمادة 168 من الدستور، التي تقول “يحمي القانون المتقاضي من أي تعسف أو انحراف يصدر عن القاضي”.أما وزير العدل الطيّب لوح، فتنحصر مهامه في قضية “الخبر” في ضمان السير الحسن للجهاز القضائي واحترام استقلاليته. ولما تقع تجاوزات في قطاعه ولا يحرك ساكنا، معناه أنه إما يقف وراءها أو يباركها. وفي قضية “الخبر” مسؤولية لوح السياسية والقانونية والأخلاقية ثابتة، والغريب أن الوزير تغاضى عن تجاوزات خطيرة للقانون في قضية “الخبر”، بينما لم يتردد في توقيف قاضية لمجرّد أنها نشرت شيئا في الفايسبوك لم يعجب الوزارة!ماذا يترتب من نتائج قانونية بخصوص انسحاب المحامين في قضية “الخبر”؟ التمثيل بمحام لدى المحاكم الإدارية إجباري، وانسحابه يترتب عنه انقطاع الخصومة طبقا للمادة 210 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية. على إثر الانسحاب تتخذ المحكمة الإدارية الإجراءات الملائمة.ما ألاحظه أن انسحاب دفاع “الخبر” جاء كرد فعل على قرار تجميد صفقة البيع الذي أصدره القضاء الاستعجالي. فخلافا لهذا القرار، كانت توقعات كل رجال القانون بأن نتيجة القضية الاستعجالية ستكون الرفض لانعدام الصفة لدى وزير الاتصال، أو في أسوأ الحالات عدم الاختصاص. ما حدث أن القضاة خرجوا عن كل التوقعات. الكثير لم يفهم معنى تجميد العقد.. ماذا يقصد به من الناحية القانونية؟ المعروف أن القانون المدني هو أب القوانين، فهو الذي ينظم ويؤطّر مختلف المعاملات والعقود التي تتم بين الأفراد في شتى مناحي الحياة. وبالعودة إلى أحكامه، فالجزاء الذي يترتب عن عيب أو مخالفة قانونية تشوب مثلا عقد بيع أو عقد مقاولة أو عقد شركة، هو البطلان وهذا طبقا للمادة 99 وما يليها من ذات القانون. إن ما سمي بتجميد العقد لا وجود له في القانون المدني، ولا في أي نصوص أخرى. فلو كانت له أصول تشريعية أو حتى فقهية فلماذا لا يدرّس في كليات الحقوق والمدرسة العليا للقضاء؟! مادامت المرجعية القانونية لتجميد العقود منعدمة، يستحيل قانونا تنفيذ القرار الذي صدر عن المحكمة الإدارية.إذن قرار المحكمة سياسي أُمْلِي على القضاة؟بالطبع، فهو يزكي طلب وزارة الاتصال وهو تجميد العقد.المشتغلون بالقانون يصفون القضاء الإداري بـ”قضاء الإدارة”، بمعنى أنه ينحاز دائما للحكومة عندما تكون طرفا في القضية؟ سؤالك يجب النظر إليه من منظور أشمل، هو استقلالية القضاء في الجزائر، خاصة عن السلطة التنفيذية، وهي مسألة ذات أبعاد فكرية وسياسية ومؤسساتية وثقافية، تستلزم أن يكون واعيا بها المجتمع بمختلف مكوناته، ويعتبرها حيوية وتستحق النضال والتضحية، نويت تكريسها في أرض الواقع لا أن تبقى مجرد شعارات، فالعدالة تصدر أحكامها من الشعب الجزائري وبتفويض منه طبقا للمادة 159 من الدستور.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات