من الانحرافات في التّفكير الّتي حذّر منها القرآن ونعى على أهلها: التّقليد الأعمى، وممّا جاء من ذلك قوله تعالى: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ”.ولا يخفى أنّ تقليد الآباء قد استعاض عنه النّاس في زمننا بتقليد الشّيوخ والعلماء والمفكّرين والنّجوم وهلمّ جرَّا، فالآية الكريمة واردة في المشركين ولكنّها تشمل كلّ من وافقهم في التّقليد الأعمى لأيٍّ كان. وأكثر صور التّقليد الأعمى في الفكر شيوعًا في زمننا اتّباع المشايخ والعلماء.وحتّى يعرف المرء هل هو مبتلى به أم لا ينظر لحاله: فإن كان لا يطمئن لقول قائل مهما بلغ علمه ويتريّث في قبول قوله، فإذا قال شيخه الّذي يعتقد أنّه من أهل الحقّ وناصر الحقّ وناصر السنة... إلخ قبل قوله من غير تردّد فهو غارق في التّقليد الأعمى وإن توهّم أنّه يتّبع الحقّ والدّليل!!.والآية الكريمة تذمّ من حاله كذلك من ناحيتين كما يقول الإمام الأستاذ محمّد عبده رحمه الله: “ذمّهم من ناحيتين: (إحداهما) الجمود على ما كان عليه آباؤهم والاكتفاء به عن الترقّي في العلم والعمل، وليس هذا من شأن الإنسان الحيّ العاقل، فإنّ الحياة تقتضي النّمو والتّوليد، والعقل يطلب المزيد والتّجديد. (والثانية) أنّهم باتّباعهم لآبائهم قد فقدوا مزيّة البشر في التّمييز بين الحقّ والباطل، والخير والشّرّ، والحسن والقبيح، بطريق العقل والعلم، وطريق الاهتداء في العمل”. ويكفي هذا ذمًّا وتشنيعًا على المقلّدين تقليدًا أعمى لآبائهم أو لعلمائهم أو لغيرهم.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات