المعارضة تخلت عن النضال في الميدان فهمشت في البرلمان

38serv

+ -

تمثل مقاطعة جلسة التصويت على القانونين العضويين، المتعلقين بنظام الانتخابات وهيئة مراقبة الانتخابات، من طرف أحزاب المعارضة بالبرلمان الخميس الماضي، حالة يأس معلنة من ممارسة لعبة سياسية تم إغلاقها بإحكام من طرف السلطة. وأمام هذا الواقع الذي لم يكتشفه أحد، تدفع المعارضة اليوم ثمن تخليها عن النضال في الميدان لإقناع الناخبين ببرامجها، وتفضيلها بيانات السخط والتنديد التي تصدر من صالونات العاصمة.بررت المجموعات البرلمانية لتكتل الجزائر الخضراء، الذي يضم ثلاثة أحزاب، وجبهة القوى الاشتراكية وجبهة العدالة والتنمية، قرار المقاطعة بـ”تكريس سياسة الغلق والإقصاء والمساس بالحقوق السياسية والمدنية للأحزاب”، وبأن هيئة مراقبة الانتخابات التي تقترحها الرئاسة، تمثل التفافا على مطلب المعارضة إنشاء كيان مستقل تماما عن الجهاز التنفيذي. بمعنى آخر، إذا كانت الرئاسة هي من تعيّن أعضاء هذه الهيئة، فهي تعلن صراحة بأنها لن تتخلى عن تسيير العملية الانتخابية، بداية من مراجعة القائمة الانتخابية وانتهاء بإعلان نتائج الانتخابات.وقد اكتشفت المعارضة، أو بعض منها، كم كانت ساذجة عندما صدّقت خلال “الاستشارة الدستورية” التي دعيت لها في صيف 2014، بأن الرئاسة مستعدة للتخلي عن سيطرتها على الطبقة السياسية. فقد جمع مدير الديوان بالرئاسة أحمد أويحيى من أحزاب المعارضة مقترحاتها وأبلغها بأن الرئيس بوتفليقة يعرض عليها “دستورا توافقيا”، يتضمن كامل الحرية للمعارضة في ممارسة نشاطها، بعيدا عن التضييق الذي يتجلى في منعها من الاجتماع خارج مقراتها، وتعطيل مبادراتها بالمجلس الشعبي الوطني.وقبلها كانت السلطة قد وعدت في 2011، بمناسبة اجتماعات “لجنة بن صالح” مع الأحزاب والشخصيات السياسية والجمعيات والنقابات، بأنها متوجهة إلى “إصلاحات جادة” تحقق للممارسة السياسية والتعددية الحزبية، وحرية التظاهر وحرية الإعلام والحق في التعبير، المكانة المنتظرة منذ أن قرر بوتفليقة لما عاد إلى الحكم، غلق المشهد السياسي من خلال منع إنشاء أحزاب جديدة. لما أطلق الرئيس وعودا بالإصلاح، تم ذلك في وقت شعرت فيه السلطة بأنها مهددة في وجودها بسبب الاضطرابات التي عاشتها البلاد في جانفي 2011، والتي جاءت في سياق موجة الإطاحة بالأنظمة ببعض البلدان، وأبرزها تونس. بمعنى آخر، اضطرت السلطة إلى إظهار رغبة في الانفتاح لربح الوقت فقط، وكثير من أحزاب المعارضة اعتقدت بأنها أصيبت بالضعف، وبأنها مجبرة على التخلي عن قبضتها الحديدية.واتضح من خلال القوانين التي أدخلت عليها تعديلات، واستحداث أخرى، بعد 2011، بأن لا شيء سيتغير في الاستحقاقات الحديثة المنتظرة وقتها، وهي الانتخابات التشريعية ماي 2012. فقد كرّست نتائجها هيمنة أسلوب “الكوطة” في توزيع مقاعد المجلس الشعبي الوطني، وهذا بشهادة التجمع الوطني الديمقراطي الذي احتج على إهداء قائمة عمر غول بالعاصمة 13 مقعدا، على حساب قائمة الأرندي. وغول كان يومها جالسا على كرسيين، نصف في المعارضة الإسلامية والنصف الآخر في الموالاة.خلاصة القيود القاهرة الجديدة التي أعدتها السلطة لغلق الأفق السياسي، والتي بدأت بالتكالب على مجمّع “الخبر”، بصحيفته وفضائيته، أن مجموعة الأشخاص المدنيين والعسكريين الذين يتصرفون باسم بوتفليقة، لم يكونوا أبدا حاملي مشروعا يشجّع على الممارسة السياسية. بل إن تصرفاتهم كلها أعادت البلاد إلى مرحلة ما قبل دستور 23 فبراير 1989، فلم يعد أي معنى للتعددية والتداول الديمقراطي. حتى أن البعض يندم على سنوات الحزب الواحد. وأمام هذه الحقيقة التي لا يراها إلا المغفّلون، تواجه أحزاب المعارضة اليوم قدرها المحتوم وهو النزول إلى القرى النائية والمدن البعيدة والصحراء، والنضال في الميدان من أجل الفكرة وحشد التأييد للمواعيد المقبلة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات