+ -

 يرى الكاتب والمحلل السياسي، أحمد رواجعية، أن الحملة التي تشنها السلطة اليوم، ضد “الخبر” قبل أن تتسع لتشمل مؤسسات إعلامية أخرى، على غرار الوطن، لا يمكن إدراجها إلا في محاولات هذه الأخيرة لتقويض المكاسب العديدة التي جنتها الصحافة المستقلة منذ عدة سنوات، والتي دفعت من خلالها الثمن غاليا من دماء أبنائها أثناء الأزمة الأمنية التي عاشها البلد في تسعينات القرن الماضي، والحملة قد لا تقتصر على ممارسة كل أشكال الخنق ولجم الحريات، فحسب، بل قد تمتد إلى القضاء على كل ما يسمى معارضة سياسية في المستقبل المنظور.كيف تفسر ما يحدث لـ”الخبر” و”الوطن” ؟في البداية، دعني أقول متى كان النظام في الجزائر لينا وطيعا ومنصاعا يوما ما أو لديه شيء من القبول علي الأقل على مستوى الالتزام الضمني بمبدأ الحوار؟ لا أظن ذلك، فإرادة النظام الرامية إلى خنق كل صوت حر ومعارض ليس فقط على صعيد الصحافة المستقلة، بل كل ما يشتم فيه رائحة معارضة للسياسة المنتهجة، إن هذه السلطة ترى في حرية التعبير والطرق على حصص تنتقد هذه السياسة أو تحاول وأدها كأنها داء مستفحل ترى فيها محاولة إجرامية ضد “سيادة الدولة”، كما دأبت عليه دائما وليس فعلا ديمقراطيا، ثبت مع مرور الوقت أن هذه السلطة لا تعترف به على سبيل الممارسة بشكل قطعي ونهائي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، من قال إن النظام... إن لغة حواره غير تلك المعتمدة على لغة العصا والعنف الفوري والمباشر، إن ثقافته السياسية تقوم على مبدأ القوة واستعمالها لحل المشاكل العالقة... هناك تطور في تعامل السلطة مع وسائل الإعلام، من خلال عمليات المداهمة الأمنية لفضاءات إنتاج برامج تلفزيونية، إلى ماذا يرمز مثل هذا التطور في أسلوب التدخل ضد الصحافة باستعمال الأدرع الأمنية؟هذا النوع من التدخل “العضلي” يأتي من منطق النظام السياسي الذي يشعر بالحساسية إزاء الحريات العمومية، والذي يخشى فوق كل شيء استقلال المجتمع المدني بالنسبة له. ففيما يتعلق بتدخل النظام في قضية الخبر ومضايقة سيفيتال المتكررة والمتزايدة، فهي ليست محايدة وتهدف للدفاع عن مصالح خاصة ضد مصالح خاصة أخرى، إن دولة القانون التي تزعم علاوة على ذلك بأنها “ليبرالية”، يجب أن تتبنى موقفا حياديا إزاء الأطراف المتنازعة ذات المصالح المتنافرة والحكم بينهما بصورة عادلة وليس العكس كما هو الحال.هذا النوع من التدخل ليس جديدا. الجديد هو تصاعد العنف من قبل رجال الأمن وتهوين القمع الجماعي. هذا الارتفاع في العنف يعكس تراجعا واضحا للقانون وتجاهلا صارخا لحرية التعبير.العدالة أو استخدامها أصبح سلاحا فعالا بين أيدي النظام لخنق ما تبقى لنا من حريات عمومية. ولهذا لا أرى أي تفسير آخر لهذا السلوك إلا عناد النظام بالتمسك بمواقفه السياسية الصلبة إزاء المطالب الشرعية للمواطنين. وهل تعتقد أن هذه الممارسات ذات علاقة بالتحضير لمرحلة مقبلة ؟ربما، لكن تلك الممارسات ليست جديدة من نوعها، في نظري أن عصبية النظام وتدخله في شؤون المصالح الخاصة تهدف إلى تعزيز مصالح عشيرة واحدة على حساب أخرى. النظام لا يخدم الدولة بل يخدم مصالح خاصة. مع كل ما يحدث، هل هناك مستقبل لحرية التعبير في ظل كل ذلك ؟مستقبل مجهول ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بما سيكون الغد، ولكن ما هو أكيد هو تخفيض مساحات الحريات في المستقبل وتوتر النظام ولجوؤه أكثر من أي وقت مضى إلى منطق استعمال العنف ضد كل من يعارض أسلوب تسييره الاقتصادي والسياسي.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات