السلطة تخترع الوصفة"السحرية"لفرض الرقابة على حرية التعبير

38serv

+ -

 بنجاحها في تجربة “قطع الأنترنت”، بحجة حماية البكالوريا من تسريب أسئلتها قبل الأوان، ومعرفتها بدقة ردود الفعل التي تولدت عن هذا الإجراء، سواء من قبل المستخدمين أو المواطنين البسطاء، تكون السلطة قد نجحت من جهة في كسر “طابو” حجب الأنترنت، ومن جهة ثانية التمكين لمخططها الرقابي على حرية التعبير الذي قد تلجأ إليه في المواعيد السياسية والانتخابية، والأحداث غير المتوقعة مستقبلا، من خلال استعمال “تقنية القطع”.عندما انقطع “الكابل البحري” للأنترنت في عنابة بفعل فاعل (سفينة صينية)، وجدت السلطة نفسها محرجة في إيجاد الحجج المناسبة لإقناع المواطنين بأن هذا “الانقطاع للأنترنت” خارج عن إرادتها، وليس لها يد أو ضلع في ذلك، حتى أنها أمرت شركتها العمومية “اتصالات الجزائر”، لتسابق الزمن من أجل إصلاح الوضع في أقل من 6 أيام وتعويض المتضررين منه، لأن قطع الأنترنت كان ينظر إليه يومها على أنه عمل غير ممكن أو خطير سياسيا واقتصاديا، خصوصا لدى المنظمات الحقوقية التي تصنف ذلك في خانة التعدي على حقوق الإنسان والتعبير والحريات الفردية والجماعية. حتى أن وزيرة البريد، هدى فرعون، ظلت ترافع ضد قطع الأنترنت لأنها كانت ترى، حتى وقت قريب جدا، أن ذلك غير ممكن، بما فيها حجب المواقع الإباحية، بحيث قالت وزيرة البريد، هدى فرعون، يوم 3 نوفمبر 2015 لدى نزولها ضيفا على ركن فطور الصباح لـ«الخبر”، بخصوص حجب المواقع الإباحية التي أثارت جدلا كبيرا، ما يلي: “أنا أتوسم الخير في الجزائريين، لا أحد يقبل أن يجري غلق أي موقع بصورة تعسفية دون الاستناد إلى سند قانوني، لأننا في دولة قانون، وصعب أن تطبق مثل هذه الممارسات لأنها تتعارض مع حرية التعبير، وأيضا حتى لا تعطى فرصة للمنظمات الدولية تصنيفنا في ذيل الترتيب في مجال حرية التعبير، ومن غير المعقول أيضا أن يجري قمع الجزائريين باسم القانون، فلم أشأ أن ترتكب سابقة خطيرة في هذا المجال”. فما الذي وقع حتى تنقلب الوزيرة كل هذا المنقلب وتأمر مصالحها بقطع مواقع التواصل الاجتماعي وتعطيل الأنترنت بحجة حماية البكالوريا من الغش؟ وما الذي جعل الوزيرة بمعية وزارات أخرى تنصح السلطة بحجب الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لمدة 5 أيام إلى غاية الانتهاء من امتحانات البكالوريا؟مهما كانت الحجج والمبررات المسوقة في هذا السياق، فإنه لا يمكن جعل مثل هذا الإجراء بمعزل عن “التراجع” الذي تشهده الجزائر في مجال الحريات العامة، جراء التضييق الممارس من قبل السلطة ضد وسائل الإعلام، وما قضية محاكمة “الخبر” سوى مؤشر على ذلك التضييق، ونفس الأمر بالنسبة للغلق على الأحزاب، وما مشروع قانون الانتخابات إلا دليل على محاولات وأد التعددية الحزبية والعودة لعهد الحزب الواحد، ونفس الشيء أيضا بالنسبة لمشروع منع الكلام عن المستخدمين العسكريين المتقاعدين، الذي يمثل بشكل أو بآخر مساسا بحرية التعبير، بالإضافة إلى التضييق على النشطاء الحقوقيين ومنع التظاهر السلمي وغيرها من الممارسات التي تتناقض مع العهد الدولي للحقوق.وعندما وصلت السلطة إلى قطع الأنترنت، حتى ولو بمبرر إنقاذ امتحان البكالوريا من الفضيحة السياسية التي تلاحقه، فإن لذلك عدة تداعيات ليس فقط في التصنيف الدولي للجزائر في مجال حرية التعبير، ولكن أيضا في زيادة قناعة الجزائريين وتمسكهم أكثر بضرورة توطين المواقع الإلكترونية الجزائرية خارج الوطن، بدلا من الاعتماد على المؤسسات الموجودة داخل الوطن، على خلفية ليس فقط احتمال قطعه في امتحان البكالوريا السنوات المقبلة، ولكن أيضا كلما احتاجت السلطة إلى ذلك لتحقيق مآربها الانتخابية ولمحاصرة خصومها السياسيين والاجتماعيين.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات