تحاول البشرية جاهدة تلمس الطرق الموصلة للسعادة، كما تسعى دأبًا إلى الابتعاد عن الشقاء، تبذل في ذلك الغالي والرخيص، والثمين والبخيس، غير أن مفهوم السعادة ظل حبيس مادة وثروة، محصورًا في بريق خلاب أو متاع جذاب، ولو كان الأمر كذلك ما اشتكى من ينعم في الخير الوفير البؤس والشقاء، ولما رأينا البائس الفقير يحسد على سعادة يتقلب فيها صباح مساء، وقد وضع بعض العلماء سلمًا للسعادة يقيسون بها الدول فوجدوا أن أمريكا أقرب الدول إلى الشقاوة، وليس لها من حظ السعادة شيء يذكر.ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى: {.. فَمِنْهُمْ شَقِي وَسَعِيدٌ} هود:105، فالشقي مَن ابتعد عن دين الله، وتمرد عن منهجه وإن كان في النعيم يتقلب، والسعيد مَن كان على صراط مستقيم وإن استدبرته الدنيا وشاحت عنه بوجهها المتقلب.قال تعالى في شأن المؤمن {فَلَنُحْيِيَنهُ حَيَاةً طَيبَةً} النحل:97، وقال في شأن غيره {فَإِن لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} طه:124. فالسعادة كامنة في هذا الدين الذي يُعلن كتابه {مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ} طه:2، لذا قال الكاتب البريطاني جورج ولز: ”كم من الأجيال ستكابد الخوف والشقاء قبل أن يبزغ من جديد فجر الإسلام، الذي يبدو أن التاريخ بأكمله يتجه صوبه، والسلام يومئذ سيغمر الدنيا، والسلام يومئذ سيغمر القلوب”! إنها حقيقة لو كان المسلمون حقًا يلبسون هذا النعيم بفخر ويتلذذون بطعم العبودية لله رب العالمين، ورحم الله من قال: ”إننا في نعمة لو علمت بها الملوك لجالدتنا عليها بالسيوف”، بهذا أحببنا الحياة وعلمنا أن العبادة جنة الدنيا، من دخلها خاض في السعادة للركب، ومن لم يعرف ربه ضاق عليه الفضاء الرحاب، وله في نهاية الفنانة داليدا التي انتحرت وتركت رسالة التعساء: ”الحياة لا تُحتمل سامحوني”، فماذا فقد مَن وجد الله، وماذا وجد مَن فقد الله؟!
إمام وأستاذ بجامعة المسيلة*
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات