يرى حسني عبيدي، رئيس مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط بجنيف، أن التكالب على “الخبر” بالطريقة التي ينتهجها النظام، سيزيد المشهد الجزائري سوادا ويحد من عزيمة عناوين أخرى لن تجرؤ على المقاومة. ويشدد عبيدي، في حواره لـ«الخبر”، على أن هذه القضية جعلت النظام في مأزق وهو البحث عن مخرج يحفظ له شرفه ولا يفتح النار عليه بسبب ما خلفته من تبعات سياسية وإعلامية تعصف بما بقي له من رصيد.ما رأيكم في قرار المحكمة الإدارية الصادر في قضية “الخبر”؟ طبيعة قرار المحكمة الإدارية تعكس طبيعة منظومة الحكم في الجزائر التي يحكمها التردد وينتابها هاجس الغد.جاء قرار الحكم باهتا ومبهما ومبقيا على منفذ الخروج، في حالة تفاقم الأزمة. حكم يهرول وراء الفروع ولا يهتم بالأصول.نظرة فاحصة في الدعوى وفي الخط الافتتاحي للجريدة، لا يدع مجالا للشك بخصوص انهيار ميزان القوى داخل النظام. في ظل غياب سلطة مضادة حقيقية داخل النظام أو لدى الأحزاب السياسية، تبدو قرارات السلطة استعجالية. وذلك لأن السلطة ترى أن ما بقي من الإعلام المستقل يسبب لها متاعب داخليا وخارجيا. كما أن شخصية المالك الجديد للعنوان أثرت على قرار السلطة، لأنها لا تتعايش مع من لا يدخل بيت الطاعة. الأمر الذي يؤشر على تزايد النزعة الاستبدادية لدى القائمين على الحكم وعدم قبولهم برؤى مختلفة. غالبا ما شكل الاستبداد المتصاعد بداية تصدع نظام الحكم ومدخلا لانتحار سياسي جماعي.كثير من المراقبين اعتبروا الحكم سياسيا.. ما هي الأهداف من ورائه في اعتقادكم؟ اعتباره حكما سياسيا شرف لا يستحقه الأداء الحكومي في هذه القضية. أداء هزلي لأنه يتراجع عن مكتسبات ديمقراطية حققتها الجزائر منذ سنوات، وقبل غيرها من الدول وتتنكر لها اليوم بل تريد وأدها. ألم يبق لهذه الحكومة من ملفات عاجلة إلا صفقة تجارية تحافظ على عنوان إعلامي وتحافظ على مناصب شغل، حينما تتعثر ذات الحكومة في خلق فرص لشبابها المتخرجين؟ إذا كانت الحكومة حريصة إلى هذا الحد على احترام القانون، لماذا لم تبدأ بنفسها وتسرع عملية إنشاء سلطة الضبط على أسس دستورية قبل رفع دعوى تعاني من خلل قانوني؟ الجانب السياسي ينحصر في الرئاسيات المقبلة والتخوف من دور الجريدة في التأثير على مجريات الحملة الانتخابية، بما لا يريده النظام الحاكم. إنه حكم إداري يحمل مفردات التعسف في استعمال السلطة العمومية. لقد وضع وزير الاتصال النظام السياسي في ورطة تجاوزت قدرته على إدارتها. لأن النظام لا يمتلك رؤيا مستقبلية ولا استراتيجية على المدى المتوسط. وبالتالي أصبح يدير الشؤون اليومية لا أكثر. قضية “الخبر” جعلته في مأزق وهو البحث عن مخرج يحفظ له شرفه ولا يفتح النار عليه، لأنه يفقد القدرة على التصدي لها ولا يريد أن تولد تبعات سياسية وإعلامية تعصف بما بقي له من رصيد. النظام السياسي يدرك أن القضية تجاوزت يومية مستقلة. “الخبر” أصبحت رمزا كشف تخبط نظام سياسي فاقد للشرعية يبحث عن معارك هامشية من أجل التستر على هزائمه المتعددة سياسيا واقتصاديا ودوليا، واليوم أخلاقيا. أيزال استقلال العدالة في الجزائر حلما بعيد المنال في رأيكم؟العدل أساس الحكم. غيابه يبعدنا عن أدنى شروط الحكم الراشد. حال العدالة مثل حال السلطة التشريعية، أفرغت من محتواها وجردت من صلاحياتها وأصبحت أجهزة تابعة للسلطة التنفيذية. لن يستقيم أمر العدالة إلا بعودة ثقة المواطن في قضائه. وهو مرهون ببناء مؤسسات قارة وبدستور توافقي، وليس دستور أهواء ونزوات الرئيس. بمعنى استقلال العدالة ليس عنوانا وإنما مسار طويل يبدأ برد الاعتبار للقانون وجعله فوق الجميع. بعد تمييع القضاء تعمل السلطة اليوم على تقزيم الإعلام، ويومية “الخبر” أول اختبار لها. إذا نجحت السلطة فإنها لن تتوقف عن مقاضاة من يقول لا.ما هو تأثير إضعاف جريدة “الخبر” على المشهد الإعلامي في الجزائر؟ «الخبر” يومية مستهدفة كعنوان وكسلطة مضادة تعكر صفو النظام وتفاهماته. صحيح أن وظيفة الإعلام هي نقل الخبر بمهنية وتسليط الضوء على إدارة شؤون الناس. لكن عندما تنقرض الأدوات الأساسية والحزبية ويهمش المجتمع المدني، مساحة الإعلام تتسع وحاجة المواطن تزداد. لذا، غصبا عنها، أصبحت يومية “الخبر” تنقل الخبر وتملأ فراغا سياسيا وقضائيا وتشريعيا قاتلا. المشكلة ليست في “الخبر” وإنما في نظام سياسي اختزل الحياة السياسية والاقتصادية والإعلامية في أداء حكومة متعثرة وغير تمثيلية. تهميش “الخبر” سيزيد من سوداوية المشهد الجزائري ويحد من عزيمة عناوين أخرى لن تجرؤ على المقاومة.قضية “الخبر” أخذت أبعادا دولية.. هل سيكون لها تأثير على صورة الجزائر في مجال الحريات؟ الوضع المتردي للإعلام في الجزائر، إضافة إلى ترتيب عالمي متقهقر في مجال الحريات وإطار عمل الصحفي المتدهور، يعطي صورة قاتمة عن بلدنا، خاصة أننا نرى تطورا إيجابيا لعدة دول كانت تسعى في السابق إلى محاكاة الإعلام الجزائري. عرفت الجزائر في تاريخها الحديث فسحة إعلامية وقانونا صحفيا وطفرة في العنوانين الجادة فريدة من نوعها. أن تنتهي اليوم بمحاولات للتضييق على الإعلام الحر ومصادرته فتلك انتكاسة كبيرة للمهنة وللوطن.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات