يرى المحامي خالد بورايو أن قرار المحكمة الإدارية بخصوص قضية “الخبر”، ينبغي النظر إليه من زاوية أن القضاء “أداة بين يدي السلطة توظفه كما تشاء”. وقال في مقابلة مع “الخبر”، إنه “ساذج من يعتقد أن القضاة يحكمون ضد النظام عندما يكون طرفا في خصومة”.استغرب غالبية المختصين في القانون القرار القضائي المتعلق بقضية “الخبر”. هل أنت واحد منهم، أم تجده منطقيا؟ لم أستغرب القرار. ففي تصريح أدليت به لجريدتكم يوم 3 ماي الماضي، قلت إنني متشائم جدا بخصوص مآل القضية. قلت ذلك لأنني أعلم أن القضاء هو وسيلة الحكومة للوصول إلى مبتغاها. عندما تلجأ الحكومة إلى القضاء، تكون في بيتها وفي حيها وملعبها، والقضاء ليس سلطة مستقلة.إشكالية “الخبر” لا تتعلق بمدى احترام القانون في صفقة التنازل عن الأسهم لفائدة “ناس برود”، بقدر ما هي مسألة ضمان حقوق مواطنين من طرف قضاء مستقل عن كل أشكال الضغوط والتدخلات. ما في القضية، أن شخصا أراد أن يمتلك شيئا فحرم منه، إننا أمام خرق مبدأ مقدس هو حرية التملك.ألم يكن بمقدور الحكومة أن تنبه طرفي الصفقة بأنها غير قانونية، قبل التوقيع على العقد؟ مع العلم أن الصحافة كتبت عن مفاوضات بين الطرفين، بهدف إبرام عقد بيع. الحكومة لم تتحل بالمسؤولية بمثل هذا التصرف، فقد كانت على علم بالمفاوضات وبأن مساهمي “الخبر” عقدوا جمعية عامة للفصل في قضية البيع، وتعلم بتسجيل عقد البيع، وبعد كل هذه الإجراءات ترفع دعوى. ما حدث نصب واحتيال مكتمل الأركان.ما رأيك في هذا التفسير الذي يشترك فيه الكثيرون: السلطة تعمدت أن يتكبد إسعد ربراب خسارة بـ400 مليار، ولن يملك في النهاية “الخبر”. بمعنى عقوبة مزوجة؟ هذه هي الوقائع بالتحديد، هناك انتقام من رجل أعمال نجح في الوقت الذي فشل فيه آخرون، يوجد استهداف واضح لربراب في هذه القضية. الحكومة في هذا الملف تركت الأمور تسير واعتبرت نفسها غير مسؤولة. في قضية عدم إنشاء سلطة الضبط، الحكومة هي من تتحمل المسؤولية، وهي من تستولي على قانون الإعلام 2012...في موضوع سلطة الضبط، يرى دفاع المدعي أن عدم وجود هذه الآلية المنصوص عليها قانونا، ليس مبررا لبقاء الحكومة تتفرج على القانون وهو يتعرض للخرق.. ما رأيك في هذه الحجة لمقاضاة “الخبر”؟ المشكلة يا سيدي أن الحكومة تستولي على القانون، لأن سلطة الضبط كيان مستقل عنها. أصل المشكلة أن السلطة ترفض كل سلطة أو كيان أو آلية، أو أي شيء يفلت من رقابتها، وهو ما يفسر الصراع بين الإعلام الحر المستقل وبين السلطة خلال الـ20 سنة التي مضت.المحامون المتمرسون يصفون القضاء الإداري بـ”قضاء الإدارة”، كناية عن أنه منحاز آليا للسلطات العمومية في كل القضايا التي تكون فيها طرفا. هل ما حدث في قضية “الخبر” يعكس هذا الوصف؟ القضاء الإداري والعادي وسيلة بين يدي السلطة التنفيذية تفعل به ما تشاء وتوظفه كما تشاء. في حالة “الخبر” تأكد من جديد بأن القضاء خاضع لإملاءات السلطة التنفيذية.من تتوقع أن يكون وراء الدعوى في الاستعجالي؟ من يوظف القضاء الإداري في صفقة بيع تمت بين أشخاص وشركة؟ الحكومة منسجمة ولا تتجزأ. ووزير الاتصال لم يحرك الدعوى بمبادرة شخصية منه، وإنما بتعليمات من الحكومة. أنت تلاحظ أن أجهزة الحكومة وحتى أجهزة حزبية، تدخلت في هذه القضية ودعمت مسعى رفع الدعوى.كلامك يوحي بأن مستقبل القضاء مظلم. لماذا كل هذا التشاؤم؟ يا سيدي، نحن ننتقد السلطة التنفيذية ونظام الحكم ونطلب من عدالة هذه السلطة وهذا النظام أن ينصفنا. هذا لا يستقيم ! نستنكر ممارسات النظام ونعترف بعدالته ! نحن أمام نظام لا مفر منه، فعندما نتوجه إلى عدالته ويكون هو الخصم حتما سنخسر أمامه، وساذج من يعتقد أن القضاء مستقل في بلادنا.البعض ربط قضية “الخبر” بترتيبات متصلة بخلافة الرئيس بوتفليقة. هل تعتقد أن “الخبر” تسبب لأصحاب القرار قلقا إلى درجة أن يستهدفوها بهذه الطريقة؟ هذه القضية غير مفصولة عن ممارسات السلطة في استهداف الصحافة الحرة. فـ”الخبر” مؤسسة إعلامية تملك تأثيرا على الرأي العام، لذلك تخشى السلطة أن تقع بين يدي رجل أعمال، يعتقدون خطأ أنه سيستعملها ليحارب نظام الحكم. وشخصيا أرى أن هذا الاعتقاد غير صحيح. فربراب، كما أعرفه، لا يتدخل في خط جريدته “ليبرتي” ولا يستغل ملكيته لها لتوجيهها في أي شأن يخصه.تزامنت هذه القضية مع صدور قانون يمنع العسكر المتقاعدين من الخوض في المواضيع المتصلة بالسياسة والجيش، وتزامنت مع استمرار حبس الجنرال بن حديد بدون محاكمة، ما يوحي بأن النظام في حالة تخبط، أليس كذلك؟ السلطة تخاف من حرية الرأي والأفكار. فالجنرال بن حديد هو الوحيد من خاض في الإعلام حول تنظيم الجيش والمؤسسات، فكان السجن مصيره. هذا الشخص يقبع في الحبس الاحتياطي منذ 9 أشهر من دون تجديد الإجراء الخاص بحبسه، من طرف قاضي التحقيق الذي لم يستمع لأي شاهد في هذه القضية.هذا الشخص لو سرق أموالا عمومية ولو اعتدى على أشخاص، لما تابعوه وما زجوا به في السجن. ولكنه لما عبر عن رأيه بحرية وفي وسيلة إعلامية، وضعوه في السجن وهو حاليا رهينة شخص واحد هو من أمر بحبسه.والقانون الذي أشرت إليه جاء التفكير فيه بسبب بن حديد، ليكون هذا الجنرال عبرة لغيره من الضباط المتقاعدين. إذن الهدف من هذا القانون ومن استهداف “الخبر”، هو غلق مساحات التعبير وتكميم الأفواه في هذا البلد، وقد نشهد قوانين أخرى ضد المحامين وفئات من النخبة ممن لهم رأي حر.هل بإمكان القضاة أن يختفوا وراء مبرر اشتغالهم في جهاز غير مستقل، للتهرب من مسؤولية التقيد بالقانون في إصدار الأحكام والقرارات؟ نشهد تململا وسط القضاة بسبب تدخلات السلطة التنفيذية في عملهم، وجاء التعبير عن ذلك من طرف حوالي 2000 قاض يريدون إنشاء نقابة مستقلة، وهؤلاء يتعرضون للاضطهاد من طرف وزارة العدل حاليا بسبب حركتهم، التي تؤكد وجود إطارات بصدد دق ناقوس الخطر لوقف المجزرة الجارية.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات