من هنا كان يدوي صوت المدفع لإفطار الصائمين

+ -

 رغم تقلبات الزمن وصيحات العصر المتوالية، يقول سكان حي ابن باديس أو لعراجي كما يحلو للكثير ممن التقتهم “الخبر”، إلا أن شهر رمضان الفضيل مازال يحتفظ بالكثير من خصوصياته لاسيما الاستهلاكية منها، حيث تتفنن ربات البيوت في إعداد الحريرة بمادتها الأولية الأصيلة “الدشيشة” المستخلصة من الشعير التي يشترونها من التاجر العيداوي المتواجد وسط حيهم، وإعداد أطباق التمور بالسمن واليزير، أو ما يعرف “بالتركي” ورائحة التوابل التي تنبعث من البيوت عقب صلاة الظهر من كل يوم، ثم سرعان ما تخف حدة هذه العطور لتنبعث رائحة القهوة بالشيح، وخبز السانوج كما تحتفظ به الذاكرة الشعبية.وهو ما ذهب إليه رئيس الحي الحاج بن يونس الذي وجدناه رفقة مجموعة من الشباب في حملة تطوعية لتنظيف الحي وواجهة المسجد لاستقبال شهر الصيام “إن السنوات الماضية كانت بسيطة في كل شيء، لكنها لم تخل يوما من أسمى معاني التضامن والترابط الأسري الذي تترجمه السهرات الليلية حول أباريق الشاي نجم سهراتهم بما يحمله معه من حكايات وتجاذب أطراف الحديث، وغيرها من الأحاجي التي كانت ترويها العجائز، وتشد إليها الأطفال الذين كانوا يترقبون بفارغ الصبر مواعيد الزيارات ليستمتعوا بهذه الأساطير الخيالية التي لا تكاد تخلو من عنصر التشويق، حسب ما أكده شيوخ الحي الذين استرجعوا شريط ذكرياتهم مع شهر رمضان بمدينة المشرية، حيث كان سكانها يفطرون على دوي المدفع اليدوي ذي الصنع التقليدي الذي كان يحمله كل مساء قبل الإفطار بلحظات قليلة المرحوم “قرماط محمد” بمنطقة المصلى وهي جزء من حي لراجي بابن باديس. وكان لصوت المدفع أو كما عرفه العامة آنذاك “النفض” نسبة إلى ما ينفضه من غبار بالمكان علاقة حميمية دافئة بين صاحبه وأهل المدينة الذين لا يفطرون إلا إذا سمعوا هذا الدوي الذي ألفته آذانهم، وبرحيل الرجل جاء صوت صفارة إنذار مصالح الحماية المدنية بمقرهم القديم بحي ابن باديس، قبل أن تزول هي الأخرى ويبقى صوت الأذان قائما بعدما تزايد عدد المساجد.وللسحور نكهة أخرى كان يصنعها صوت المؤذن “سي ادريس” رحمه الله بحنجرة دافئة وأداء متميز، حيث كان يدعو الناس وهم نيام إلى السحور بعبارته المشهورة “اسحروا يا عباد الله”.وما تزال ذاكرة من حدثونا تحتفظ بالشيء الكثير عن طقوس وعادات سكان حي لعراجي خلال شهر رمضان، وهي العادات التي تخلت عنها الكثير من العائلات تحت طائل تحسن المستوى المعيشي من جهة وغزو الفضائيات من جهة ثانية، فغابت فضائل هذا الشهر الذي حولته الذهنيات الجديدة إلى شهر للتراخي والاستهلاك ليس إلا..يبقى فقط أن نشير إلى أن حي ابن باديس فاز بالكثير من الجوائز والشهادات التقديرية في منافسات أجمل وأنظف حي. وبشهادة الكثيرين وعامة سكان مدينة المشرية، فإنه حي نموذجي في النظافة والتنظيم والعمل الجماعي والتآزر وقت الأقراح والأفراح وفي أيام رمضان، بما يقدمونه من إعانات خاصة للمعوزين تقدم من ميزانية العائلات القاطنة بالحي وتبرعاتهم.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: