38serv

+ -

 في مشهد تغيب عنه الإنسانية ويعكس حجم المعاناة والمصير المجهول الذي أحيلت عليه، اجتمعت عشرات العائلات المقصاة من الترحيل بحي الكروش القصديري في الرغاية بالعاصمة، على قارعة الطريق وأمام موقع الهدم، تندب حظها وترثي حالها، بعد أن ظنت أنها ستودِّع “الميزيرية” إلى الأبد إذا ما استفادت من سكنات جديدة مثل بقية العائلات المستفيدة، إلا أن ما حدث كان العكس تماما.كانت الساعة تشير إلى العاشرة و40 دقيقة ليلا عندما وصلنا إلى المكان، ليصدمنا المشهد من هول ما رأينا، حيث تجمعت بعض العائلات ممن لم تجد غير موقع الهدم وخيما بلاستيكية تأوي إليها إلى حين الفصل في الطعون التي قدمتها بعد إقصائها من الترحيل. كان الظلام دامسا، فما كان علينا إلا إشعال أضواء السيارة والهواتف النقالة للحديث مع عدد من الأشخاص الذين كانوا متواجدين هناك.خيم بلاستيكية وأثاث وقش متراكم ومترامٍ هنا وهناك، وبعض المقصين يفترشون الأرض ولحافهم ظلمة السماء، نساء ورجال، عجائز ورضع، ليهرع إلينا الجميع ويلتفوا حولنا، وكل واحد يحاول سرد المعاناة التي باتوا عليها وكيف تم حرمانهم من تحقيق حلمهم بالعيش تحت سقف بيت جديد يحفظ كرامتهم. “انظر كيف تم تعنيفنا وضرب أبنائنا بعد أن رفضنا مغادرة المكان”، يقول أحد المقصين، ليضيف آخر “حتى الأفارقة والسوريون سمحوا لهم بتشييد قياطن فيما نحرم نحن من ذلك”، ويتابع ثالث “أقسم بالله العظيم إن والدتي توفيت هنا، لدينا كل الدلائل التي تبين حقنا في الاستفادة، حتى شهاداتنا المدرسية.. رانا محقورين، سنقدمها إذا كان زوخ مستعدا للتنقل إلينا”.وتشاركنا سيدة أخرى الحديث بالقول “من قضى يومين بالحي يسكن ومن عاش 30 سنة لا يسكن! كيف هذا؟”، سألناهم عن الطعون فقالوا إن مصالح الدائرة أخبرتهم بأن الدراسة انطلقت الأحد الماضي، “ولكن ربما ستكون الأحد القادم أو ربما بعد أشهر. من يعلم؟”، قبل أن يضيف أحدهم “مصالح الدائرة طالبتنا بالكراء إلى حين الفصل في الطعون”، مؤكدين أن معظم العائلات المتبقية من قدامى الحي.وأجمع هؤلاء أن “سبب الإقصاء كان لجنة الحي، هناك بعض الأشخاص عقدوا قرانهم في 2014 استفادوا، ونحن ولدنا وأبناؤنا بالحي وأقصينا، حتى أن بعض العائلات كانت على علم مسبق باستفادتها، هل يعقل هذا؟”، مشيرين إلى أن مصالح الولاية أخبرتهم بأن الإقصاء كان من مصالح الدائرة والبلدية، وهذا “رغم تقديمنا كل الوثائق التي تثبت عدم استفادتنا، بربك أخبرنا هل يوجد إقصاء دون سبب كما تصرح مصالح الدائرة؟”.أما الحال في الخيم فكان صادما أكثر، بعض الرضع والأطفال الصغار يفترشون الأرض ويشعلون الشموع فقط لإنارة المكان، بينما ارتأت عائلات أخرى بجوار الحي، خلال أيام رمضان المعظم، تقديم بعض المأكولات وقت الإفطار، “بعد أن مُنعنا من الوجبات التي تقدمها بعض مراكز الإفطار”.ليخلص هؤلاء إلى مطالبة والي العاصمة بإيفاد لجنة تحقيق، لكشف المستور والتلاعب الذي شاب عملية ترحيل قاطني الحي، وإنصاف العائلات التي تعرضت للإقصاء دون سبب، رغم حقها في الاستفادة من سكن يحفظ كرامتها ويضع حدا لمعاناتها مع القصدير وقسوة العيش تحت سيول الأمطار ومعاشرة الجرذان والثعابين.    

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات