يسمّى الصّوم صبرًا لما فيه من حبس النّفس عن الطّعام والشّراب والشّهوة، ويسمّى رمضان شهر الصّبر لأنّه شهر الصّوم.والصّبر فضيلة تتعدّد مجالاتها، فهناك صبر على الطّاعة أي استمساك بأدائها، وصبر على المعصية أحرص موصول على تجنّبها، وصبر في الابتلاء أي حسن احتمال له. فلا بد للمؤمن من صبر على أداء الواجب وصبر عن الآثام والخطايا. وصبر يحفظ اللّسان عن الخنا والفحش، وصبر بحرص اللّسان على النّطق بكلمة الحقّ حينما تجب، وصبر بصيانة القلب والعقل من خواطر السّوء، وصبر بحفظ الجوارح والأعضاء من سوء الاستخدام، وصبر عند الشّدائد والنّوازل، وصبر في مواطن الجهاد والنّضال والإقدام والثّبات وعدم الفرار أو التولّي يوم الزّحف.. والصّبر لفظ عام ينتظم جملة فضائل، وقد يسمّى بأسماء كثيرة لكثرة مواطنه ومظاهره. يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله في هذا “إن كان صبرًا على شهوة البطن والفرج سمّي عفّة، وإن كان عن احتمال مكروه اختلف أساميه عند النّاس باختلاف المكروه الّذي غلب عليه الصّبر، فإن كان في مصيبة اقتصر على اسم الصّبر، وتضادُّه حالة تسمّى حالة الجزع والهلع، وهو إطلاق داعي الهوى يسترسل في رفع الصّوت وضرب الخدود وشقّ الجيوب وغيرها. وإن كان في احتمال الغنى سمّي ضبط النّفس وتضاده حالة تسمّى البطر. وإن كان في حرب ومقاتلة سمّي شجاعة ويضادُّه الجبن. وإن كان في كظم الغيظ والغضب سمّي حِلمًا ويضاده التذمّر. وإن كان في نائبة من نوائب الزّمان مضجرة سمّي سعة الصّدر ويضاده الضّجر والتبرّم وضيق الصّدر. وإن كان في إخفاء كلام سمّي كتمان السرّ وسمّي صاحبه كتومًا. وإن كان عن فضول العيش سمّي زُهدًا ويضاده الحرص. وإن كان صبرًا على قدر يسير من الحظوظ سمّي قناعة ويضاده الشّرّه. فأكثر أخلاق الإيمان داخلة في الصّبر، ولذلك لمّا سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّة عن الإيمان قال “هو الصّبر” لأنّه أكثر أعماله وأعزّها.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات