كما كان متوقعا بمنطق السلطة، أمر قاضي الاستعجال محمد دحمان بالغرفة الثانية للمحكمة الإدارية، أمس، بـ”تجميد آثار بيع” أسهم وحصص من جريدة “الخبر” لشركة “ناس برود” فرع مجموعة سيفيتال. وبمنطق القانون، القرار الصادر عن المحكمة غير مؤسس لأنه استند على ملف فيه ثلاث دعاوى لوزارة الاتصال مليئة بالأخطاء. وبمنطق الحريات، أمر المحكمة فيه اغتيال للكلمة الحرة وتكميم الأفواه في الجزائر.ستبقى أذهان وقلوب المدافعين عن حرية التعبير والصحافة، التي تشكل “الخبر” عمودا صادما لها، معلقة إلى الأبد بالمحكمة الإدارية عند تاريخ 15 جوان 2016. فسيكون هذا التاريخ بداية التأريخ لـ”اغتيال الكلمة الحرة” في الجزائر، فقد شهد “محاولة بائسة” لوأد “الخبر” منبر الضعفاء والمغبونين، في قضية رمت فيها الحكومة بكامل ثقلها عن طريق وزارة الاتصال، ليس لترقية حرية التعبير وإنما لـ”قبرها”.التأريخ لـ”اغتيال الكلمة الحرة” في الجزائر، بدأ فعليا أمس بدخول قاضي الاستعجال محمد دحمان قاعة جلسات الغرفة الثانية بالمحكمة الإدارية، في حدود الساعة الحادية عشرة صباحا، وقد سبقه بالدخول إلى القاعة أمين الضبط “شاهد الجلسة”، وهو يحمل عشرات الملفات تتعلق بقضايا إدارية. وبعدها بثوان يلتحق القاضي ومعه مستشاروه المساعدون ويرافقهم محافظ الدولة (يوازي ممثل النائب العام)، وقد لاحظت تشكيلة المحكمة بـ”استغراب” بدا واضحا على وجوه أعضائها، كيف أن القاعة قد غصت بحضور كثيف لمتابعين وصحفيين، على عكس الجلسات الفائتة.مدخلون في خصام لم تستمع إليهم المحكمة !!استمر “انقباض القلوب” لدقائق قبل الذهاب مباشرة إلى دعوى “الخبر” الحاملة لرقم 82/20، فسبق النظر فيها بالنداء على عشرات القضايا، إلى أن نظر قاضي الاستعجال في هيئة دفاع الطرفين ومعهم الحاضرين، ونادى بنفسه على قضية “الخبر - ناس برود”، ثم استكمل النداء أمين الضبط بأن دقق في فحوى الملف بذكر مضمون الدعوى الأصلية، وكذا المدخلين الجدد في الخصام وهم مساهمو “الخبر”، فاكتفى بنطق أسماء ثلاثة منهم: سعيد زوڤاري وحمزة أورتيلان وورثة عثمان سناجقي، وهؤلاء هم الذين استلموا فقط من المحضر القضائي دعوة المثول أمام المحكمة، لكن لم تستمع المحكمة إليهم !!.أمر المحكمة كان جاهزا للفصل في دعوى وزارة الاتصال في جانبها الاستعجالي. فقد أمرت المحكمة على لسان قاضي الاستعجال محمد دحمان بما يلي: “قبول الدعوى من حيث الشكل وفي الموضوع تأمر المحكمة بتجميد الآثار المترتبة عن بيع أسهم من “الخبر” لشركة ناس برود”. وفي التفاصيل القانونية لهذا القرار، أن القاضي بقراره يعترف لوزير الاتصال بـ”الحق والأهلية” لرفع دعوى قضائية، لكنه لم يبلغ هيئة الدفاع المادة القانونية التي أعطى بها الحق للوزير، وثانيا قرار القاضي يعطي به أيضا لنفسه وللمحكمة الإدارية الاختصاص للفصل في القضية، وذلك عكس المادة 919 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.29 يوما فقط لطي قضية “الخبر”لما استعد المحامون المتأسسون في قضية “الخبر”- ناس برود” لمغادرة القاعة، طلب منهم القاضي عدم الانصراف ليبلغهم بالاستعجال في تقديم مذكراتهم عن نفس القضية المطروحة في جانبها الموضوعي، وأعطاهم مهلة أسبوع واحد أي بتاريخ 22 جوان الجاري. وما يوحي أن “السلطة” تريد “التخلص” من القضية، ظهر في كلام القاضي حرفيا: “نرغب في الفصل في القضية قبل عطلة القضاء”، أي لم يبق أمام قضية “الخبر”- ناس برود” سوى 29 يوما فقط لتطوى بصفة نهائية، أي قبل 15 جويلية، في جانبها الموضوعي، إما إبطال الصفقة أو إنصاف “الخبر” بالقانون ولا غير سوى القانون.أمام محامي “الخبر”- ناس برود” مهملة 29 يوما لتحضير أنفسهم في جلسات أخرى بالمحكمة الإدارية، لتقديم مرافعات في القضية من جانبها الموضوعي، ويقتطع من الـ29 يوما القادمة 15 يوما بدءا من اليوم 16 جوان، ليتمكن المحامون من استئناف أمر المحكمة أمام مجلس الدولة، وإن كان الاستئناف هنا لما تتعلق القضية بـ”قرار إداري” تكون السلطة الإدارية طرفا فيه، بحكم أن قضية “الخبر” تتصل بعقد توثيقي مدني تنازل فيه مساهمون في شركة خاصة لحصصهم لشركة أخرى خاصة.استئناف قرار محكمة تعالج القرارات وليس العقود..وما يثبت هذا هي المادة 912 التي تتحدث حرفيا عن “تنفيذ القرار الإداري”، ونصها “عندما يتم استئناف حكم صادر عن المحكمة الإدارية قضى برفض الطعن لتجاوز السلطة لقرار إداري، يجوز لمجلس الدولة أن يأمر بوقف التنفيذ بطلب من المستأنف عندما يكون القرار الإداري المطعون فيه من شأنه إحداث عواقب يصعب تداركها..”. أما المادة 908 من نفس القانون فتنص على أن “الاستئناف أمام مجلس الدولة ليس له أثر موقف”. وهذا نتيجة أن قرار المحكمة قابل للتنفيذ ولا يمكن الطعن فيه.وأفادت محامية “الخبر” فطة سادات في تصريح لـ”الخبر”، بأنه “خلافا لكل التوقعات، المحكمة الإدارية التي تفصل في المسائل الاستعجالية قضت بأن الدعوى مقبولة من حيث الشكل، وحتى أنها قبلت الإدخال في الخصومة، بالنسبة للجانب الموضوعي أمرت المحكمة بتجميد الآثار المترتبة للعقد المبرم بين شركة “ناس برود” وبعض المساهمين في “الخبر”“.وقالت المحامية إنه “من جهتنا من حيث التطبيق السليم للقانون هذا حكم منعدم التأسيس، والمشكل الأساسي يتعلق بمصير الدعوى الثانية من حيث الموضوع الذي يتعلق بإبطال صفقة البيع، ويبدو أن هناك إرادة للفصل بصفة مستعجلة بالنسبة لدعوى الموضوع”.وأشارت المتحدثة إلى أن “التناقص المطروح أن الدعوى الاستعجالية في أنها بقيت شهرين بحكم تسجيلها في 26 أفريل الماضي، ولم يفصل فيها سوى بتاريخ 15 جوان (أمس)، ما يؤكد انعدام الطابع الاستعجالي للدعوى، في الوقت أن الدعوى في الموضوع المسجلة بتاريخ 26 أفريل أيضا سيفصل فيها، وهذا يعني تناقضا بين الطابع الاستعجالي للدعوى والقضية الثانية التي تخص دعوى الموضوع التي تخص إبطال الصفقة، وأظن أن قرار القاضي هو للأسف تسبيق لإبطال الصفقة”.انسحاب دفاع “الخبر” وارد..بدوره، أوضح المحامي صادق شايب أن “المحكمة صرحت باختصاصها أولا وقبلت دعوى وزارة الاتصال شكلا، وفي الموضوع أمرت بتجميد آثار العقد، أما من الناحية القانونية، وإن كنا لم ننتظر مثل هذا القرار، فلا يجب التقليل من الأحكام القضائية، فالقانون يسمح لنا بالاستئناف أمام مجلس الدولة ولدينا ما نقوله أمام المجلس، عن طريق اجتهادات قضائية سيتم الاستناد إليها”.ولأن هيئة دفاع “الخبر” نددت في كل الجلسات السابقة بـ”الخروقات” القانونية الواردة في إجراءات رفع وزارة الاتصال للدعوى، ومع ذلك لم تأخذها المحكمة الإدارية بعين الاعتبار، قد يكون محتملا في إطار التبعات السلبية للقضية، انسحاب هيئة الدفاع من القضية، استكمالا منهم للتنديد بـ”خرق القانون” في دعوى وزارة الاتصال ضد “الخبر” و”ناس برود”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات