+ -

يتحدث الوزير السابق والدبلوماسي، عبد العزيز رحابي، عن رأيه في القرار الذي أصدرته المحكمة الإدارية بتجميد صفقة بيع أسهم “الخبر”. ويعتبر أن ما يجري هو استمرار لمسلسل التضييق على حرية التعبير خدمة لأجندات سياسية تخص ترتيبات مرحلة ما بعد بوتفليقة.ما رأيك في القرار الصادر اليوم (أمس) بتجميد صفقة بيع أسهم “الخبر”؟ هذا القرار بتجميد الصفقة سياسي بغلاف قضائي، ولا يمكن انتظار غير ذلك من هذا النظام. القضية من بدايتها كانت سياسية وتم استعمال حجج قانونية فيها كدأب هذا النظام منذ وجوده. دستور البلاد خرقه رئيس الجمهورية واعتدى عليه في مناسبات كثيرة، فكيف ننتظر من المحكمة الإدارية في قضية سياسية أن تحكم بغير ما يريده النظام؟ هذا ما يثبت لنا للمرة الألف أن معركة استقلال القضاء هي أم المعارك، لأن التوظيف السياسي للعدالة لم يترك أي مجال إلا وأفسده، فالانتخابات يتم تزويرها باستعمال العدالة والإدارة، وكذلك الفساد يتم التغطية عليه باستعمال العدالة، وهذا الوضع لم يعد يطاق. أنظر مثلا إلى الوزير السابق، شكيب خليل، كيف يتجول بحرية في الجزائر مع أنه متابع قضائيا. غير أني أفرّق هنا بين القضاة والعاملين في العدالة الذين لا ينبغي أن نتحامل عليهم، فهم مغلوب على أمرهم، لذلك المسؤولية يتحملها النظام وحده في اعتقادي.ما هي الظروف التي جعلت من النظام يتخذ هذا القرار باعتقادك؟ لا شك في أن قضية “الخبر” جاءت في ظرف حساس عنوانه الكبير “من يحكم الجزائر؟” لأن الرئيس غائب فعلا عن الحكم والحكومة هشة وعاجزة عن مواجهة جو الأزمة. في هذا الظرف يصبح كل شيء ممكنا، فمراكز القرار صارت متعددة وأحيانا متخبطة ومتناقضة، همّها الوحيد التحضير لمرحلة ما بعد بوتفليقة، بما في ذلك أحزاب الموالاة التي انهمكت هي الأخرى في مرحلة ما بعد الرئيس الحالي رغم خطابها العلني الذي يظهر ولاءها له. في هذا الظرف الحساس، لا يريدون أي منبر إعلامي حر، لا يخضع لإملاءاتهم، و”الخبر” بما تملكه من جريدة واسعة التأثير وقناة بدأت تأخذ مكانها المناسب في المشهد السمعي البصري، تزعجهم كثيرا وبالتالي يريدون إسكاتها لتمرير كل ما يريدون في صمت.هل هذا القرار سيزيد من حجم الضرر على المشهد الإعلامي في الجزائر؟ لو يفتح ملف الإعلام في الجزائر سيشعر هذا النظام بالعار. عشرات الصحف المصطنعة ظهرت في السنوات الأخيرة، ومليارات الدينارات صرفت عليها من الإشهار العمومي، والهدف في الأخير هو استعمال الإعلام كوسيلة للبقاء في السلطة والدفاع عنها. هذه فلسفة النظام لدور الإعلام للأسف. لكنهم يتركون كل ذلك ويحاربون جريدة “الخبر” التي صار لها امتداد في كل الدول العربية، وهي من الاحترام والتأثير بحيث ينبغي أن تدعم لتكون واجهة لحرية التعبير في الجزائر، لا أن تحارب بهذا الشكل البشع. كما قلت لك في السابق، هذا النظام لا يتحرك من فراغ، وهو يرى أن “الخبر” لها من الصيت والتأثير في المواطنين ما يؤهلها لأن تكون السلطة المضادة والمراقبة لعمل السلطة، وهذا أكبر ما يزعجهم، لأنهم تعودوا على أن لا يسائلهم أحد.لكن لماذا تستهدف “الخبر” بالذات دون غيرها؟ لأن “الخبر” تساهم في تكوين الرأي العام، خاصة النخب والطبقة المتوسطة، وهي معروفة باستقلاليتها في خطها التحريري. كما أنها نتاج مخاض تاريخي صنعها لها اسما لامعا، “الخبر” بالنسبة للسلطة غير قابلة للتوظيف، فهي لم تشتر خلال كل عهدات الرئيس بوتفليقة، ولا يمكن لها بالضرورة أن توظف مستقبلا، خاصة إذا ضمنت استقلاليتها المالية، كما أنها لا يمكن أن تغض الطرف عن ملفات الرشوة والفساد وشغور السلطة، وهو ما لا يناسب أصحاب القرار، لأن سجلهم في هذا الجانب ليس على ما يرام. لذلك هم يضيّقون على حرية التعبير والصحافة كسلطة رابعة بشتى الوسائل، بينما يتفاعلون عكس ذلك مع سلطة المال، لأنها لا تحاسبهم وتتقاسم معهم الفوائد.هل ستتسبب هذه القضية في الإضرار بصورة الجزائر في الخارج؟ دون شك ستزيد من تدهور صورة الجزائر البائسة أصلا في مجال حرية التعبير. فالجزائر لديها سجل أسود عالميا فيما يخص الضغط على الصحف بالإشهار وبالمطابع وبالتصحيحات الضريبية. والجزائر لم تقم بإصلاح واحد في مجال السمعي البصري. نحن أقل حرية للأسف من النيجر ومالي. كل قنواتنا تبث من الخارج، والدولة لا تعلم بذلك أنها تبيع سيادتها في وقت تتحدث عن السيادة الوطنية. كل ذلك يعطي انطباعا بأن البلاد لا تزال تتخبط في مشاكل السبعينات.هل تعتقد أن لوزير الاتصال دورا في ما وصلنا إليه اليوم؟ قضية “الخبر” تفوق طاقة وزير الاتصال، هو لا يستطيع التحكم بالوكالة الوطنية للإشهار، فكيف يتحكم بقضية من هذا الحجم؟ أنا لما كنت وزيرا للاتصال حاولت أن أجري إصلاحات على القطاع، وفورا أوقفت وأعلمت أن هذا الأمر يتجاوزني. القرار الخاص بـ”الخبر” يخص الذين لديهم طموحات في مرحلة ما بعد بوتفليقة، وفي غياب السلطة المركزية التي تلاشت أصبح القرار بيد مجموعات نفوذ كل منها يحاول تطبيق أجنداته، لكنها تتفق في المجمل على التضييق على حرية التعبير لأنها لا تخدم مصالحها.ما هو الدور الذي ينبغي على السياسيين القيام به لمساندة حرية التعبير؟ السياسيون وقفوا صفا واحدا مع “الخبر”، وأؤكد أن منهم شخصيات حتى من الموالاة أسروا لنا بأنهم غير راضين على ما يجري. وهذا ما صنع إجماعا وطنيا على وجود توظيف سياسي للقضية. لكن أكثر من سيدافع عن “الخبر” هم قراؤها الأوفياء ومشاهدو قناتها. وبالنسبة للمواطنين، تعتبر “الخبر” صوتا للمغبونين والمعدمين وبتجميدها أخشى أن يتجمّد هذا الصوت.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: