كانت قسنطينة، ومنذ الحقبة العثمانية، من أهم المحاور الأساسية للتجارة على مستوى الشرق الجزائري، بتواجد عدد كبير من الأسواق الشعبية التي لا يزال يتداول اسمها لحد الساعة، رغم أن البعض منها اندثر ومنها من يقاوم التغيرات التي فرضتها العصرنة على غرار “سوق العصر” الذي لايزال يرتبط اسمه بمساعدة الفقير والمسكين.وقد كانت للمدينة القديمة خاصة مراكز ونقاط لتجمع التجار والحرفيين، أخذت طابع الأسواق وترسمت تلقائيا ليقصدها المواطنون، حيث كان هناك سوق النحاسين، الجزارين، حبة الجمال، رحبة الصوف، سوق الغزل والعديد منها، إلى جانب “سوق العصر” الذي يتوسط حي 19 جوان ويمتد إلى غاية جسر سيدي مسيد، الذي يعد من أقدم الأسواق التاريخية والقديمة جدا والذي حافظ على نفسه ويحتل مكانة هامة في قلوب القسنطينيين.وتباينت الأحاديث حول أصل تواجده، حيث يذكر أنه كان يسمى “سوق الجمعة”، وكانت تعرض فيه مختلف السلع من الخضر والفواكه واللحوم بنوعيها البيضاء والحمراء، إلى جانب الأقمشة، ويسمى بـ”حبيب المسكين” وهي العبارة التي يتغنى بها مطربو المالوف حين يتحدثون عنه، لأن فقراء المدينة كانوا يقتاتون منه لأسعاره المنخفضة، لأن التجار لا يلجأون إلى المضاربة أو الاحتكار كما كانت تملأ قفف الفقراء مجانا، وقيل إن تجار الخضر والفواكه يوقفون البيع عند سماعهم أذان العصر، حيث يتركون كل ما بقي من سلعهم ليستفيد منها الفقراء.وحسب الباحث في التاريخ، محمد العلمي، لـ”الخبر”، فإن السوق أصلها كان متواجدا بحي “القصبة” حاليا، وكان يطلق عليه اسم “سوق الأحد”، وبقرار من صالح باي حاكم الشرق آنذاك تم تحويله إلى منطقته الحالية، حيث كانت منطقة سوق العصر ملكا للباي الذي شيد مدرسة الكتانية وأراد إعمارها تجاريا سنة 1780، حيث فتح المحلات التجارية، لتصبح بعدها أكبر فضاء لكل أنواع التجارة بما فيها تجارة التمور التي كان سوق العصر يبيعها بأقل الأسعار على المستوى الوطني، مضيفا أن السوق ازدهر في البيع والشراء والمقايضة، وانخفاض الأسعار، وهذا ما ذكره الرحالة الذين مروا على قسنطينة، وقد حوّل اسمه إلى سوق العصر لأنه كان مربوطا بأسواق الحامة للخضر والفواكه في الفترة المسائية بعد صلاة العصر، متحدثا في السياق ذاته عن جمعية “سبل الخيرات” التي كان يتواجد مقرها بالقرب من السوق، حيث كانت تؤازر المسكين والمحتاج.ويحافظ هذا السوق على بريقه وملامحه الأولى التي لم تتغير عن صورتها الأولى وبقيت محافظة على زواياها، حيث يقصده بعض السياح من أجل أخذ الصور. كما يعشقه القسنطينيون حتى وإن كانت أسعاره لا تختلف عن أسعار الأسواق الأخرى، إلا لأنه صرح قائم يعبر عن رائحة قسنطينة العتيقة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات