ستكون المنظومة القضائية، اليوم، أمام اختبار حقيقي، بمناسبة النطق بالقرار في قضية “وزارة الاتصال ـ الخبر ـ ربراب”، فهي مدعوة إما لإثبات كلام المسؤولين في البلاد عن “استقلال القاضي وعدم خضوعه إلا لضميره”، أو تأكيد الصورة النمطية التي يحتفظ بها المواطن عن القاضي، وهي “موظف مغلوب على أمره يحكم بناء على الأوامر التي تأتيه بالهاتف”.الحكومة تزعم رفض خرق القانون في قضية “الخبر”، وتشارك في الدوس عليه في قضية خليل ! الاحتمال بأن يكون القرار عاكسا لإرادة القضاة التجاوب مع التعديل الدستوري 7 فيفري 2016، في جانب استقلال القضاء عن بقية السلطات، وخاصة السلطة التنفيذية، يتوقعه المختصون في القضاء الإداري، لسبب موضوعي، هو أن كل الحالات المشابهة التي عرضت على الغرف الإدارية بمجالس القضاء (سابقا) والمحاكم الإدارية (حاليا)، ومجلس الدولة (أعلى هيئة)، كلها تم الفصل فيها بعدم الاختصاص، لأن القضاء الإداري غير مؤهل لتجميد (ولا إبطال)، ولا حتى مجرد النظر في قضية تتعلق بعقود مدنية توثيقية، أبرمت بين طرفين.وبما أن قضية “الخبر” هي في الأصل عقد مدني تم بموجبه بيع أسهم المجمع الذي يحمل اسم الجريدة، لشركة “ناس برود” فرع مجموعة “سيفيتال”، فالمحكمة ستقرر على الأرجح عدم اختصاصها في التعامل مع الملف المطروح أمامها منذ 43 يوما. وحينها سيضطر المدعي، وزارة الاتصال، للتوجه إلى القضاء المدني العادي أو التخلي عن متابعة الطرفين الذين أبرما الصفقة، وهو احتمال ضعيف، لكون وزير الاتصال لم يتحرك لرفع الدعوى إلا بعد أن طلب منه ذلك، من جهة أعلى، وهو ما يعطي القضية طابعا سياسيا لم يعد خافيا على أحد.وقد طرح على تشكيلة القضاة برئاسة محمد دحمان، جزئية هامة في الملف مطالبون بإبداء موقف منها، تتعلق بأهلية وزارة الاتصال، للتدخل في شأن يخص قطاع الصحافة المكتوبة. فقانون الإعلام 2012 الذي تستند إليه الوزارة (المادة 25) لتجميد الصفقة، لا يتضمن أي أثر لوزير الاتصال فيما يخص نشاط الصحافة المكتوبة. والفلسفة، التي يقوم عليها القانون، المستمدة من تشريعات فرنسية، هي إبعاد الدولة بأجهزتها الحكومية عن الإعلام، وتعويضها بآليات يكون الصحافيون ممثلين فيها، توخيا لتحقيق استقلالية فعلية للإعلام، وليس مجرد شعارات للاستهلاك. والآلية التي استحدثها القانون هي سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، حجر الزاوية في قضية “الخبر” المثيرة للجدل. ومما يدل على أهميتها، أن القانون خصص لها 18 مادة كاملة.غير أن الحكومة بتعطيلها تنصيب سلطة الضبط منذ أربع سنوات ونصف، أعطت لنفسها الحق بأن تحل محلها في طلب تجميد صفقة بيع ملك بين أشخاص وشركة. وحجة دفاع المدعي في ذلك، أن “الدولة لا يمكن أن تبقى تتفرج على القانون وهو يتعرض للخرق”!ومن سوء حظ الحكومة أن هذا المبرر بالذات يفضحها ويعريها أمام الجزائريين والأجانب الذين يتابعون الأوضاع عندنا. فلو كانت فعلا حريصة على تطبيق القانون، لكان وزير العدل أطلق التدابير المنصوص عليها في القانون بمجرد عودة شكيب خليل إلى الجزائر، لأنه في نظر القانون هارب من العدالة لكونه محل مذكرة اعتقال دولية صدرت منذ 3 سنوات تقريبا. القانون يفرض في حالة خليل، أن يتم سماعه من طرف قاضي التحقيق، فإما أن يصدر بحقه انتفاء وجه الدعوى (إلغاء المتابعة) أو يثب عليه التهمة ويأمر بإيداعه الحبس المؤقت. غير أن هذه الإجراءات لم تتم، وبقيت الحكومة تتفرج على القانون وهو يداس عليه بل هي شاركت في الدوس عليه، بإيفاد ممثلها بولاية وهران لاستقباله رسميا في المطار يوم عودته !!.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات