+ -

 لم يحمل التعديل الوزاري الأخير ما يبعث على الاعتقاد بوجود رؤية جديدة ستحكم عمل الحكومة، لمواجهة هذا الظرف الخاص الذي تمر به الجزائر، فكل ما تم هو استدعاء أسماء مكررة من الأرشيف وتدوير أخرى على نفس الوزارات. وغابت الجدية حتى في طريقة الإعلان عن الوزراء الجدد، فسربت أسماؤهم على القنوات كما لو أنهم أسئلة بكالوريا. ركزت رئاسة الجمهورية على تغيير الوزارات الاقتصادية في التعديل الحكومي الجديد، وهو خيار يبدو متفهما بالنظر إلى التحديات التي لا يمكن حصرها بالنسبة للجزائر في هذا المجال، لكن إلقاء نظرة سريعة على الأسماء التي تم اختيارها، لا يظهر أبدا وجود نية لبداية مرحلة جديدة أو إعطاء نفس آخر لاقتصاد ظلت جل طاقاته، خارج المحروقات، معطلة منذ الاستقلال. والسبب أن جل الأسماء التي جرى اختيارها كانت موجودة في الحكومة، وشريكة في الفشل الذي على أساسه، أو هكذا يفترض، يتم تغييرهم من مناصبهم. ولا يمكن بناء على ذلك، أن يصنع الوزراء الذين فشلوا في قطاعاتهم المعجزة عند نقلهم إلى قطاعات أخرى. وحتى أولئك الذين جيء بهم كانوا موجودين في القطاعات التي عينوا بها.هذا ما يطرح التساؤل عن الجدوى التي ستتحقق من نقل حاجي بابا عمي من وزير منتدب مكلف بالخزينة إلى وزير للمالية؟ وعن الجديد الذي سيحمله تحويل عبد الوهاب نوري من وزارة الموارد المائية إلى وزارة السياحة؟ وعن الإضافة التي سيقدمها تحويل عبد القادر واعلي من وزارة النقل إلى وزارة الموارد المائية؟ وعن الفكرة التي تسكن ذهن من أضاف للوزير بوجمعة طلعي قطاع الأشغال العمومية إلى النقل؟ ثم ما الداعي لإعادة عبد السلام شلغوم إلى وزارة الفلاحة بعد أن كان أمينا عاما عليها أيام الوزير رشيد بن عيسى، وتم إبعاده بعد الجدل الذي صاحب قضية الصندوق الوطني للتعاضد الفلاحي؟ كما يطرح التساؤل أيضا عن الوافد الجديد معتصم بوضياف كوزير منتدب لدى وزير المالية مكلف بالاقتصاد الرقمي، في وقت كان يشرف فيه في وزارة المالية على تطوير أنظمة الدفع الآلي في البنوك التي لم تحرز فيها الجزائر أي تقدم؟ومما يلفت الانتباه أيضا أن يوضع على رأس قطاع الطاقة، نور الدين بوطرفة، المدير العام لسونلغاز، وهي إحدى أكبر الشركات التي تعاني من عجز في ميزانيتها إلى جانب عدم قدرتها على تنفيذ برنامج الطاقات المتجددة الذي أعلنت عنه، وهي بذلك لا تمثل حتما النموذج في حسن تسيير الشركات العمومية بالجزائر، لكن مع ذلك استبدل صالح خبري الذي فشل فعلا في إعطاء الديناميكية اللازمة لقطاع الطاقة بوزير آخر قد لا يختلف معه الوضع كثيرا. أما إخراج عمار غول من الحكومة، فقد يكون موجها بالأساس للاستهلاك الإعلامي رغبة في إظهار نية لتغيير الوجوه القديمة، بعد أن عمر هذا الوزير 17 سنة، لكن هذه النية تسقط تماما في الماء بمجرد تعيين بوعلام بسايح ذي 86 سنة وزير دولة، وهو ما يجعل هذا التعديل بعيدا عن “المنطق”. وفي العموم، يشبه هذا التعديل الحكومي الحركة التي تجريها الدولة في سلك الولاة، فهي تعيينات تحمل الطابع الإداري بامتياز لموظفين يتم نقلهم من منصب لآخر كما تحرك رقع الشنطرج، ولا ترقى حتى إلى مستوى حكومة تكنوقراطية كما في الدول التي لجأت إلى هذا الحل لمواجهة أزمتها الاقتصادية، ناهيك على أن تكون حكومة سياسية محكومة برؤية وبرنامج سياسي يقوم على استراتيجية لإخراج الجزائر من أزماتها المتعددة. لهذا السبب، قد يكون من الظلم جعل هؤلاء الوزراء في “واجهة” الفشل الحكومي رغم أنهم يتحملون قسطا وافرا منه، فقد أثبتت التجربة أن الفشل أصبح منظومة كاملة يشرف عليها النظام ويقوم بإنتاج وزرائها وسياساتها.والأدهى من كل ذلك، أن هذا التعديل الحكومي الذي يفترض أن يكون معلنا من الرئيس أو الوزير الأول، ومتبوعا بالأسباب والتصورات التي تحكمه، جرى تسريبه لوسائل الإعلام على طريقة أسئلة البكالوريا، بشكل غير رسمي، دون تصريح لأي من المسؤولين، بما يثبت مرة أخرى فشلا ذريعا للحكومة في سياسة الاتصال مع الصحافة والمواطنين، وينزع عن هذا التعديل طابع “الجدية”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات