"لا هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات دون عدالة قوية"

+ -

هل تعتقدين أن الهيئة العليا المستقلة لمراقبة للانتخابات، التي جاءت في تعديل الدستور، ضمانة كافية تشجع المعارضة على خوض الاستحقاقات القادمة؟ أعتقد أن الإجراء شبيه بالإنسان الذي يعاني من ضرس ويأخذ دواء لتخفيف الألم، فالألم يختفي والمرض يبقى. وعلى هذا الأساس نزاهة الانتخابات مرتبطة بمعالجة المسار بأكمله. فالمعالجة تستدعي وتستوجب، أولا حرية تكوين أحزاب سياسية بقوانين تطبق على الجميع، فما نلاحظه أن مجموعة أشخاص تكون أحزابا سياسية وتقول إنها وضعت ملفات ولم تتلق أي إجابة.والمرحلة الثانية تتعلق بحرية النشاط السياسي، فما نعاينه الآن أيضا أن أحزابا سياسية تعاني من عراقيل إدارية عديدة في نشاطاتها اليومية، أما المرحلة الثالثة فتتعلق بمسألة حرية التعبير من خلال قنوات الإعلام، بما فيها العمومية التي تبتعد عن وظائفها في تقديم خدمات عمومية، فأصبحت ناطقا رسميا للسلطة، مع العلم أن الخدمات العمومية لا ترادف السلطة السياسية.لكن التخوف الكبير لدى المعارضة هو مصدر الأموال المستعملة في الانتخابات؟هذا ما سأشير إليه في المرحلة الرابعة التي تكتسي أهمية كبيرة. فمسألة نزاهة الانتخابات تتصل كذلك بضرورة وجود سلطة مستقلة تراقب الموارد المالية التي تستعملها الأحزاب السياسية، لأنه حتى الموالاة أصبحت تندد بكثرة استعمال الأموال التي لا يعرف مصدرها، لأن هذه الأموال مشكوك فيها.بينما المرحلة الخامسة والأخيرة، فلابد من تحقيق انتخابات نزيهة، وجود سلطة مستقلة عن الإدارة، عن السلطة السياسية والأحزاب، ويكون دورها ضمان تكافؤ الفرص من بداية العملية الانتخابية إلى غاية الإعلان عن النتائج، وهذا للأسف غير موجود، وحتى اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات التي تأسست سنة 2012، كانت قد نددت بتجاوزات، لكن لم تستكمل حملة التنديدات بإجراءات عقابية للمتورطين.هل تؤدي التركيبة البشرية وتعداد الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات الغرض الذي جاءت لأجله حسب السلطة؟التركيبة التي جاء بها مجلس الوزراء الأخير للهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، والمتكونة من 410 أعضاء نصفهم قضاة يعينهم رئيس الجمهورية، والنصف الثاني كفاءات وشخصيات وطنية، فيما رئيسها يعينه رئيس الجمهورية بالتشاور مع الأحزاب السياسية، تؤكد أنه لا يمكن للسلطة أن تضمن استقلالية للأعضاء في أداء مهامهم، فالأصل في الهيئة أن لا تكون مرتبطة بإرادة سياسية معينة، وعلى ما يبدو أن هذا الضمان غير موجود. بالإضافة إلى هذا، طالما لم تكن عدالة تضمن مختلف النشاطات السياسية، ولم يكن الجميع فوق القانون، لا يمكن أبدا حل الإشكال العويص المرتبط بنزاهة الاستحقاقات الانتخابية.المعارضة تطالب بإبعاد الإدارة عن العملية الانتخابية برمتها، هل معقول هذا الطرح؟للأسف هنالك تصور خاطئ تجاه دور الإدارة في العمليات الانتخابية. فالإدارة هي جهاز حيادي سياسيا، وعلى أرض الواقع هذا الحياد غير موجود. وفي العموم، مهما كانت طبيعة الدولة، فوظيفتها تقديم خدمة عمومية وليس سياسيا، لذلك حيادها شرط ضروري بل حتمي، والمسألة في جوهرها ليست في وجود سلطة سياسية تتحكم في كل شيء، فالمشكل أكثر تعقيدا، ويتعلق بانتشار ثقافة الزبائنية التي أصبحت شيئا عاديا جدا في مفاصل الإدارة، وتزداد ظهورا في العمليات الانتخابية، خصوصا من طرف الذين يعملون في الإدارة، وبمبادرة منهم يمارسون ممارسات سلطوية، كانت نتيجتها أن ثقافة التزوير أصبحت منتشرة بشكل كبير.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات