+ -

“الحكومة عاجزة حتى عن الصعود بمواطنيها إلى منازلهم، فكيف تنتظر منها النهوض باقتصاد بلد بأكمله؟” هكذا أراد يوسف، أحد سكان عدل، التعليق على الحالة المزرية التي آل إليها حيهم بعد أقل من عشر سنوات من تدشينه، خصوصا فيما يتعلق بملف المصاعد، إذ أن أكثر من 80 في المائة منها معطل وخارج الخدمة.لعل آخر هذه الحوادث المتكررة وأخطرها ذلك الذي جرت وقائعه في 16 ماي الماضي بحي مختار زرهوني بباب الزوار في العاصمة، عندما سقطت امرأة كانت بداخل مصعد من الطابق 16 إلى غاية الطابق الثاني، ونجت بأعجوبة من الحادث الذي ترك هلعا كبيرا في نفوس الجيران وسكان العمارات المجاورة.الموت أو الصدمةانتقلت “الخبر” إلى مكان وقوع الحادث، والتقت بالضحية التي كانت في حالة جد مضطربة بعد الصدمة التي أصابتها جراء سقوط المصعد الذي كانت على متنه.. “خرجت من منزلي في الطابق السادس عشر، واستعملت المصعد للوصول بسرعة إلى الأسفل، لكن ما إن انطلق في السير وبالضبط في الطابق الخامس أخذ يهتز بقوة ومن ثم عاد للصعود من جديد حتى الطابق الأخير، وفجأة سقط مباشرة نحو الأسفل وبسرعة كبيرة، ولحسن حظي توقف المصعد في الطابق الثاني بعد أن اصطدم عدة مرات بالجدران المحيطة به”.وحتى وإن نجت السيدة من الموت الحقيقي، غير أن شبح الصدمة لا يزال يطاردها، وتعقدت حالتها النفسية ولم تجد أمامها إلا زيارة الطبيب النفساني لتجاوز الكبوة.وغير بعيد عن العمارة رقم 12، عاش سكان الحي المجاور قبل سنتين كابوسا مماثلا، وذلك بعد نشوب حريق مهول في مصعد العمارة، والسبب، حسب سكان الحي الذين اقتربت “الخبر” منهم، يرجع إلى شرارة كهربائية سببها خلل في أحد الطوابق أدى إلى إعاقة حركة الباب لعدة ساعات، ما تسبب في ارتفاع درجة حرارة المحرك، وطبعا قطع الغيار أغلبها مقلدة صنعت في الصين فتولدت الشرارة وامتدت ألسنة اللهب إلى أبواب المنازل وسط هلع كبير بين سكان العمارة، وحتى أفراد الحماية المدنية وجدوا صعوبة كبيرة في إخماد ألسنة النيران.وبعد سنتين من الحادث، لا يزال سكان العمارة يتحملون مشقة الصعود والنزول عبر السلالم في انتظار تدخل مؤسسة تسيير أحياء عدل لإصلاح العطب وتحقيق الحلم الذي طال انتظاره.الأمر نفسه يعيشه سكان حي عدل “646 مسكن” بسيدي يوسف ببلدية بني مسوس في العاصمة، وأغلب سكان التجمعات الأخرى الذين لم ينعموا بخدمة المصاعد سوى الشهور الأولى من استفادتهم من الشقق الجديدة.   رهائن“وضعنا اليوم يشبه وضع الرهائن”، على حد قول الشيخ “مختار.ل” الذي التقينا به في مدخل العمارة محملا بالأكياس يجر خطاه بصعوبة، قبل أن يضيف “قدموا بنا إلى هنا وتركونا عالقين في أعلى الطوابق”، ثم واصل حديثه: “لم أنعم بالشقة الجديدة، ولم تدم فرحتنا طويلا بعد أن وجدنا أنفسنا عاجزين عن الخروج من المنزل مستعملين السلالم”، وتابع متهكما: “المصير واحد، فحتى لو صعدت على الأقدام قد تصل إلى منزلك جثة هامدة”.المصير نفسه اصطدمت به السيدة عتيقة بن طير صاحبة 77 سنة، هي الأخرى وجدت نفسها رهينة داخل منزلها الواقع في الطابق الخامس غير قادرة حتى على زيارة الطبيب. تقول العجوز الطاعنة في السن التي استقبلتنا في منزلها بأنها تعاني من عدة أمراض تفرض عليها التنقل إلى المستشفى في كل مرة “ومع تعطل المصعد الكهربائي وجدت نفسي في حيرة من أمري، مجبرة على استقدام حمالين أدفع لهم نقودا لتعويض خدمة المصاعد”، قبل أن تتابع مبتسمة: “قطعت وعدا على نفسي، لو يتم إصلاح المصعد سأقيم مأدبة عشاء”.أتعاب تفوق 2.8 ألف دينار والنتيجة صفرأجمع السكان الذين تحدثت “الخبر” معهم على أن جميعهم يدفعون متاعب تفوق 2.8 ألف دينار جزائري شهريا لغرض الصيانة وإصلاح المصاعد التي غالبا ما تكون معطلة بسبب غياب مؤسسة تسيير أحياء عدل عن الميدان، وإهمالها لجانب الصيانة الدوري. وفي الموضوع، يقول جمال أحد السكان “حتى ولو جمعنا الأموال ووفرنا مبلغ قطع الغيار، إلا أن مؤسسة تسيير أحياء عدل لا توفر لنا القطعة، وإن جلبوها ستكون حتما مقلدة وصينية الصنع وبالتالي تشتغل لمدة شهرين على الأكثر”.رأي آخرواصلنا جولتنا الاستطلاعية نتنقل بين عمارات “عدل” الشاهقة، نستطلع رأي السكان وننقل مشاغلهم، فكانت لنا دردشة قصيرة مع السيد وهاب القاطن في الطابق الخامس، الذي كان رأيه مخالفا عن باقي السكان الذين سبق الحديث معهم، إذ يرى أن “استعمال السلالم أحسن بكثير من المصعد الكهربائي”، إذ يرى فيه رياضة مفيدة للجسم، كما أنه لم يخف علينا بأنه لا يثق تماما في تلك المصاعد.. “استعمالها شبيه بالانتحار، خصوصا مع الهزات الأرضية المتكررة والانقطاع في التيار الكهربائي”.     

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات