يجتهد الطفل مع حلول شهر رمضان المبارك في صوم ساعات في اليوم، أو صوم اليوم كلّه حتّى أذان المغرب، تقليدًا للكبار، والتزامًا منهم بعبادة فرضها الله عزّ وجلّ على المسلمين. تكاليف الشّريعة الإسلامية لا تَرِد إلاّ على البالغ العاقل؛ وذلك لحديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم “رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَن النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَن الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَن الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ” رواه أبو داود. لذلك فإنّ صيام الطفل في نهار رمضان ليس على وجه التّكليف والوجوب، وإنّما على وجه التّحبيب والتّرغيب، وهي مرحلة إعداد وتدريب وتعويد للوصول إلى التّكليف عند البلوغ ليسهل عليه أداء الواجبات.فالطفل يسعى من خلال صومه ما تيسّر له من أيّام، لتعلّم الإخلاص الحقيقي لله تعالى، ومراقبته له في السّرّ، حيث تتربّى إرادة الطفل بالبُعد عن الطعام رغم الجوع، والبعد عن الماء رغم العطش، كما يقوى على كبح جماح رغباته، ويتعوّذ الصّبر والجَلَد.وقد ربّى الصّحابة رضوان الله عنهم أطفالهم على عبادة الصّيام، وقد أورد الإمام الحافظ البخاري في صحيحه في باب صوم الصّبيان،حديث عمر رضي الله عنه حيث قال لنشوان في رمضان “ويلك وصبياننا صيام! فضربه”.قال الحافظ ابن حجر العسقلاني معلّقًا على الحديث: باب صيام الصبيان: أي هل يُشرَع أم لا؟ والظاهر أنّه لا يجب على مَن دون البلوغ، واستحبه جماعة من السلف، منهم ابن سيرين والزهري، وقال الشافعي إنّهم يُؤمَرون به للتمرين عليه إذا أطاقوه، وحَدَّهُ بالسبع والعشر كالصّلاة، وحدّه إسحاق باثنتي عشرة سنة، وأحمد في رواية بعشر سنين، وقال الأوزاعي: إذا طاق صوم ثلاثة أيّام تباعًا لا يضعف فيهنّ على عمل الصوم، والأوّل قول الجمهور.ومن اهتمام الصحابة رضوان الله عنهم بصيام أطفالهم أنّهم يُهيِّئون لهم اللُّعَب أثناء الصيام ليتسلوا بها فلا يشعروا بطول النّهار، أخرج البخاري ومسلم عن الربيع بنت معوذ قالت: أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صبيحة يوم عاشوراء إلى قُرى الأنصار: مَن كان أصبح صائمًا فليتم صومه ومَن كان أصبح مفطرًا فليصم بقية يومه، فكنّا نصومه بعد ذلك، ونُصوِّم صبياننا الصغار منهم ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن –أي الصوف– فإذا بكى أحدهم من الطعام أعطيناه إيّاه حتّى يكون عند الإفطار.قال الحافظ ابن حجر العسقلاني معلِّقًا على الحديث: وفي الحديث حجّة على مشروعية تمرين الصبيان على الصيام، لأنّ مَن كان في مثل السن الّذي ذكر في هذا الحديث فهو غير مكلّف، وإنّما صنع لهم ذلك للتمرين، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يجمعون أطفالهم ويدعون الله عزّ وجلّ لحظة الإفطار رجاء استجابة الدعاء في تلك اللحظة المباركة، روى أبو داود الطيالسي عن عبد الله بن عمر قال: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: “للصّائم عند إفطاره دعوة مستجابة” رواه البيهقي في شعب الإيمان، فكان عبد الله بن عمر إذا أفطر دعَا أهله وولده ودعَا.ومن الأمور الّتي تُساعد حِرص الأطفال على الصِّيام، الحديث عن رمضان، وإشعارهم بالأجواءِ الرّائعة لأيامه ولياليه. وإيقاظهم لتناول السّحور، يُشعرهم بأهميتِهم، ويُعزّزُ حُبّ الصّيامِ في قلوبِهم. ومكافأتهم على الصّوم له مفعول كبيرُ على مُواصلَتهم الصّيامِ. إضافة إلى مدحهم والثّناء عليهم.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات