"الحكومة تنتج قوانين غير قادرة على تطبيقها"

+ -

 يتحدث صالح دبوز، رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (متنازع على رئاستها)، عن مناخ الحريات العام في الجزائر من المنظور القانوني، ويوضح أن السلطة في الجزائر أصبحت تستعمل القضاء الإداري لتكريس توجه سياسي خرقا للقانون.ما هو تقييمك لمناخ الحريات العامة في الجزائر خاصة حرية الإعلام؟ الجو السائد يتجه نحو غلق مجال الحريات، وهذا يعبر عن سياسة حكومية واضحة. ما يثبت ذلك هو تغيير كل القوانين التي أصبحت تضيق على الحريات، بالإضافة إلى تماطل السلطة في وضع القوانين الضرورية. ففي مجال الإعلام مثلا، نلحظ عدم تنصيب سلطات الضبط، بسبب رفض السلطة لإشراك صحفيين ومهنيين في إدارة القطاع. قطاع الإعلام ليس استثناء، فالاتجاه العام كما قلت هو لغلق كل الحريات السياسية والإعلامية والنقابية، ولكل من لا يدور في فلك السلطة. ويبدو لي أن السلطة لديها حنين إلى فترة الحزب الواحد والرأي الواحد، وهي تقوم بتوظيف مؤسسات الدولة ضد الأشخاص والجماعات لإسماع صوتها فقط، وهذا الوضع يتحمله أصحاب القرار الذين أتوا بالرئيس بوتفليقة إلى الحكم، فهو ينتمي إلى عصر آخر كان فيه بريجنيف وعبد الناصر وغيرهم، وبالتالي فهو لا يدرك معنى حرية الإعلام والثورة الحاصلة في هذا المجال عالميا، إذ لم نعد نتحدث اليوم عن الإعلام كسلطة رابعة فحسب، بل صارت هناك سلطة خامسة هي سلطة التكنولوجيا وما تفعله من “دمقرطة” المعلومات وبروز ظاهرة المواطن الصحفي. هل يمكن إدراج قضية “الخبر” ضمن هذا الجو الخانق للحريات في الجزائر؟ من الناحية القانونية، الأمر واضح، فأي طالب مبتدئ في الحقوق، يمكنه أن يرى عدم الاختصاص، لأن هذه القضية ليس فيها الطابع الاستعجالي ولا يمكن الفصل فيها من القضاء الإداري، فهي من اختصاص الفرع التجاري في المحكمة العادية. الحكومة ليس لها الصفة لتقاضي “الخبر” أو الشركة التي اشترت أسهمها، لكن من الواضح جدا أن وزير الاتصال لما سارع إلى مقاضاة “الخبر”، قام بذلك بطريقة مرتبكة، ما أوقعه في أخطاء عديدة، اضطر على إثرها محامو الوزارة إلى عدة تصحيحات. طبعا هذا يسيء إلى العدالة المعروفة أصلا بعدم استقلاليتها ويزيد من تعفين الأوضاع. كما أن التوجه للقضاء الإداري يثبت من جانب آخر مدى تمادي الحكومة في توظيف هذا النوع من القضاء لتكريس توجه سياسي خرقا للقانون. يستعملونه اليوم ضد “الخبر” كما يجري استعماله في كل مرة في قضايا الإضرابات والنشاط النقابي، على الرغم من أن المادة 500 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تعطي الحق للنظر في هذه القضايا للأقسام الاجتماعية في المحاكم العادية، وهذا الاختصاص “مانع” بمعنى أنه لا يجوز التوجه إلى محكمة ذات اختصاص آخر، ومع ذلك يتم اللجوء إلى القضاء الإداري الاستعجالي. القانون العضوي للإعلام يتحدث عن تنصيب سلطة ضبط للصحافة المكتوبة ويصر الوزير في مقابل ذلك على إلغائها. كيف تفسر هذا التناقض؟ هذا يعطينا نظرة على أن القوانين التي أوجدتها الحكومة وعرضتها على البرلمان وتمت المصادقة عليها، هي غير قادرة على تطبيقها وحمايتها. وما دام وزير الاتصال لم يقم بعمله في تنصيب سلطة الضبط، أراد أن يبرر تقاعسه بالقول إنها ليست مجدية. كان يفترض أن تنصيب هذه السلطة وفي حال كانت ملاحظات على عملها، يتم اقتراح تعديل القانون على مؤسسات الدولة المخولة والمضي في المسار المعروف لذلك. قد يخرج علينا هذا الوزير ويقول مثلا لا مبرر لوجود الحرية أصلا ويقوم بتكميم الأفواه، ويعطي بذلك مبررات لخرق القانون. هم يثبتون مرة أخرى أن لا منهجية أخلاقية لهم في التعامل مع الأوضاع باحترام قوانين الجمهورية، بغض النظر عن فرض تلك القوانين بسلطة الأمر الواقع على الشعب. ما رأيك في اتهام الوزير ڤرين جرائد بعينها بأنها تقوم بتسويد صورة الجزائر ودعوة المعلنين الخواص إلى تجنبها؟ هناك أوضاع قائمة غير صحيح. خذ مثلا الرئيس بوتفليقة الذي لم نره يخاطبنا منذ 3 سنوات. السلطة في هذه الحالة بدل أن ترى هذا الوضع غير صحيح وهو كذلك، تقول عمن يتحدث عنه بأنه هو المخطئ ! كذلك الوضع العام في البلد هو أسود والوزير بدل أن يعمل على تغييره يطلب من الصحفيين عدم الحديث عنه.والأدهى من ذلك أن هذا الوزير اتجه إلى دعوة المعلنين الخواص إلى عدم الإعلان في الجرائد التي تريد أن تبقى حرة، بعد أن نفدت الأموال التي من خلالها كانت السلطة تقدم الرشاوى للجرائد من المال العام لشراء ذمتها. هذه الدعوة تحمل تهديدا غير مباشر للمعلنين الخواص، كونهم أصبحوا مستهدفين بالأساليب المعروفة كالتصحيحات الضريبية مثلا في حال لم يستجيبوا. تحدث الوزير الأول في خطابه الأخير حول قطاع الإعلام عن الصرامة في التعامل مع من يخرق أخلاقيات المهنة. في المقابل، لا تزال قنوات تخرق هذه الأخلاقيات بحماية من السلطة ما رأيك في ما يحدث؟ المفترض في دولة المؤسسات أن هناك قانون عقوبات، بحيث يلجأ الشخص إلى العدالة في حال كان متضررا من مقال صحفي أو غير ذلك. لكن ما هو المبرر أن يهدد الوزير الأول ويتخذ قرارات مسبقة في ظل وجود جهاز عدالة يفترض أنه يشتغل. هذا يثبت أن العدالة غير مستقلة من جهة، ويبين من جهة أخرى أن توظيف جهاز العدالة لم يعد كافيا بالنسبة للسلطة التي تريد الحصول على صلاحيات مطلقة في الحصول على ما تريد. وماذا عن قرار غلق القنوات التي ذكر سلال أنها تعمل خارج القانون؟ كل القنوات الخاصة أجنبية في نظر القانون. السلطة في رأيي تعمدت غلق مجال السمعي البصري وتعمدت السكوت عن بعض القنوات لكي تمنعها في الوقت الذي يناسبها. هذا الخطاب هو دليل على عدم كفاءة السلطة في حل المشاكل واقتراح الحلول. السلطة تتغنى في كل خطاباتها بإلغاء عقوبة حبس الصحفي كدليل على ترقية حرية التعبير في الجزائر.. هل ما تقوله واقعي باعتقادك؟ بمجرد أن تقول السلطة إنها لن تحبس الصحفي بسبب رأيه، فهي تقر بأن معاقبته بسبب رأيه واردة أيضا. الأصح أنه لا ينبغي معاقبة أحد بسبب رأيه، خاصة إذا كان صحفيا أو حقوقيا أو نقابيا، فالواجب أن يتمتع بحصانة تقيه المتابعة إذا أبدى رأيه. أما هذا الإجراء فهو مراوغة باتجاه الخارج والرأي العام الذي لا يمكن أن يكون دقيقا في قراءة القوانين. ثم إذا لم يعاقب الصحفي بالسجن فإنه قد يعاقب بغرامة مالية يكون غير قادر على تسديدها.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات