+ -

 وضع قاضي الاستعجال بالغرفة الثانية للمحكمة الإدارية، أمس، قضية “الخبر” في دعوى وزارة الاتصال ضدها، في المداولات بعد إقفال مرافعات دفاعي الطرفين، في انتظار إصدار قرار يفصل في الجانب الاستعجالي للدعوى، بتاريخ الأربعاء 15 جوان الجاري. أما جلسة المرافعات فكانت في حد ذاتها “استثنائية” تناولت قضية في صلب حرية التعبير، هي الأخرى “استثنائية” في تاريخ الجزائر.القاضي لمحامي الوزير: “هل تملكون دليلا ماديا لامتلاك ربراب “الخبر” وليبرتي”؟ محامي الوزير للقاضي: “الدليل في تصريحات ربراب لقناة فرانس 24 !!!” جريدة “الخبر” التي يشهد لها قراؤها الأوفياء، بأنها كانت دائما في صف محاربة دعاة المساس بـ”الاستقرار السياسي” والإخلال بـ”النظام العام” للبلاد، تحولت في نظر الدولة عن طريق وزارة الاتصال، إلى طرف في “المساس بالاستقرار السياسي والإخلال بالنظام العام”، فهذا ما جاء حرفيا في مرافعة محامي وزير الاتصال الأستاذ نجيب بيطام، دفاعا منه عن تبريرات الوزير حميد ڤرين بـ”نظرته بثوب مخالفة عقد تحويل أسهم من “الخبر” إلى شركة ناس برود”. محامي الوزير “يتلعثم”..وزير الاتصال حميد ڤرين، حسب مرافعات محاميه، لم يستسغ صفقة تحويل الأسهم، لذلك تقدم الدفاع بطلب تجميد آثار البيع؟ ما الدافع إلى التجميد؟ في نظر الوزير “لأن الصفقة تترتب عنها أضرار على الاستقرار العام للبلاد، والتأثير المالي والإيديولوجي لسيطرة مالك واحد على عناوين إعلامية”، ويقصد هنا محامي الوزير في مرافعته، أن “ربراب هو المالك الوحيد ليومية “ليبرتي” الصادرة باللغة الفرنسية، وأيضا يومية “الخبر”“.يظهر قاضي الاستعجال دحمان محمد، الذي غاب عن جلسة 25 ماي بسبب وعكة صحية، غير مقتنع بأن “ربراب هو المالك الوحيد لـ”ليبرتي” و”الخبر”، فيطلب من محامي الوزير أن يعطيه دليلا ماديا على صحة كلامه. وهنا يتلعثم دفاع الوزير ولا يجد ما يبرر به طلب القاضي، فيختار الإجابة التالية: “سيدي القاضي تصريح ربراب على قناة فرانس 24 (بتاريخ 27 ماي)، بأنه يملك أسهما في ليبرتي”. علما أن ربراب له أسهم في شركة “سايك” المالكة لـ”ليبرتي”، وشركة ناس برود ذات الشخصية المعنوية والذمة المالية المستقلة اشترت أسهما من مساهمين في “الخبر” فقط.يبرر محامي ڤرين بأن الوزير لا تنعدم عنه صفه مقاضاة “الخبر”، فحسبه، المرسوم التنفيذي رقم 11/216 يعطي له حق تنظيم القطاع في غياب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة (غير المنصّبة)، وقد استند إلى المادتين 1 و2 الفقرة 4 من ذات المرسوم. ولأن دفاع الوزير صحّح وصوّب العريضة الأولى بمقال استدراكي يلغي فيها طلب “إبطال الصفقة” بـ”تجميد الصفقة”، تدخل محافظ الدولة في الجلسة، وطلب من دفاع الوزير تحديد طلبهم بدقة، فأجابه المحامي: “طلبنا هو تجميد آثار العقد مؤقتا إلى حين الفصل في دعوى الموضوع”. سقوط ادعاءات محامي الوزير..أسقطت كل ادعاءات محامي وزير الاتصال، بمجرد أن منح القاضي المجال لانطلاق مرافعات محامي “الخبر” وشركة “ناس برود”. فتولى المحامي فداق عبد الكريم الشق القانوني من المرافعات للرد على العرائض الثلاث لدعوى وزير الاتصال، أما الجانب السياسي فأسند إلى خبرة المحامي الأستاذ خالد برغل الذي كانت مرافعته “تاريخية”.شرع محامي “الخبر” فدّاق عبد الكريم في مرافعته “القانونية”، بالخوض في العرائض الثلاث التي تقدّم بها دفاع الوزير، فتطرق إلى الأولى التي جرى فيها “طابع الاستعجال” لإبطال صفقة تحويل أسهم إلى “ناس برود”، لكن حسب محامي “الخبر” قد حدث العكس، فدفاع الوزير سجّل القضية في الاستعجالي قبل الموضوعي، لأنّ الوزارة لم يكن بحوزتها لدى تسجيل الدعوى، عقد البيع.“لا يوجد في القضاء الاستعجالي ذكر لـ”عريضة استدراكية”“، هي العبارة التي ركز عليها محامي “الخبر” فداق عبد الكريم، في مرافعته أمام القاضي، بحكم أن العريضة الأولى جاء فيها طلب الإبطال وليس التجميد، الذي جاء في المقال الاستدراكي، وهنا طلب المحامي من القاضي استبعاد المذكرة الاستدراكية. كما عدّد المحامي للقاضي “العيوب” الواردة في عريضة الإدخال في الخصام، التي غاب فيها عن الوزارة ممثل قانوني في عريضة الافتتاح، والتي أيضا بدورها أسقطت ممثل الشخص المعنوي.المنعرج “المهم” دفاع “الخبر، ناس برود” كان في جانب “انعدام صفة وزير الاتصال في الدعوى”، وعلى هذا الأساس شدد المحامي فداق عبد الكريم على نفس المرسوم 11/2016 الذي استند عليه دفاع الوزير، لكن بالمقلوب. كيف ذلك؟ محامي “الخبر” أقنع القاضي بـ”الحجّة القانونية الدامغة”، أن القانون العضوي للإعلام يلغي المرسوم التنفيذي نظرا لـ”سموه” عليه، وبما أنّ الثابت في القانون، حسب مرافعة المحامي، أنه عالج سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، فذلك يعني قانونا أن صلاحيات الوزير تلغى بموجب القانون العضوي للإعلام. منعرج مهم وآخر حاسم..وعاد محامي “الخبر” إلى المادة 2 من المرسوم التنفيذي، وقال للقاضي إن “دور الوزير في هذه المادة اقتراح النصوص وليس مقاضاة العناوين الإعلامية، ولا أن يحل محل سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، وطبقا لهذه القاعدة وزارة الاتصال ليست طرفا في قضية تجميد الصفقة”.أمّا المُنعرج “الحاسم” في القضية، الذي جرى التأكيد عليه من طرف دفاع “الخبر” كثيرا، هو “الاختصاص النوعي للمحكمة الإدارية”. تستمر مرافعة محامي “الخبر” فدّاق عبد الكريم، بالعودة إلى المادة 919 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، التي تنص على أن المحكمة الإدارية تنظر في القرارات الإدارية، فيخاطب المحامي القاضي: “قضية الحال تتعلق بعقد توثيقي مدني، وليس قرارا إداريا، ثم أين يقع في العقد المساس بالنظام العام، لهذا سيدي القاضي المحكمة الإدارية غير مختصة للبت في الدعوى”.يستغرب محامي “الخبر” من طلب “تجميد آثار البيع”، ويسأل مرة ثانية القاضي: “هل التجميد يدخل في اختصاص المحكمة الإدارية؟ وما هي الآثار؟”. يجيب المحامي عن سؤاله: “آثار البيع سيدي القاضي هي أن القضية سجلت قانونيا، وقباضة الضرائب استلمت إتاوات البيع وسددت قيمة الخمس للموثق، فيما تم إيداع العقد في النشرة الرسمية للإعلانات القانونية، ومن ثم تأسيس مجلس إدارة جديد، فيما تجميد الآثار لا يمكن الفصل فيه إلا بالعودة إلى العقد وهذا ليس من اختصاص المحكمة، وكيف لقاض يتصدى لقرار دون الخوض في العقد”.“ڤرين فشل في تنفيذ إصلاحات الرئيس”..تفقد القاعة هدوءها بـ”مرافعة مزلزلة” لمحامي “الخبر” الأستاذ خالد برغل، تناولت الشق السياسي، فيتناول وهو يخاطب القاضي “الهبة الوطنية من المجتمع المدني، الذين جاؤوا من كل حدب وصوب لمؤازرة “الخبر”، وأيضا ليشهدوا على حكمكم في القضية سيدي القاضي، لأنها قضية تاريخية وسياسية بامتياز، وقد عرفت إقحاما لرجالات السياسة أنفسهم فيها”.يرافع المحامي خالد برغل بـ”التدقيق” في جوانب وزوايا هامة في القضية، فيقول للقاضي مثلا: “إنها قضية استعجالية حسب وزارة الاتصال، فما كانت لترفع دعوى إلا استنادا إلى ردود فعل سابقة، ومن بينها سيدي القاضي “حنا الدولة والقاضي سيحكم لنا”، ثم يضيف برغل: “قانون الإعلام جاء على خلفية نضال صحفيين، وبالخصوص رئيس الجمهورية الذي أدخل آلية جديدة هي سلطة ضبط الصحافة المكتوبة وسلطة ضبط السمعي البصري”.ويضيف برغل: هل تعلم سيدي القاضي لماذا جاء الرئيس بهذه الآلية الجديدة؟”، ثم يجيب: “هي قفزة نوعية لتنحية وزير الاتصال من امتلاك حق الدخول في نزاع مع أي صحيفة، لأننا بشرنا بالدولة المدنية، وقد جاء قانون الإعلام مواكبا لأحداث دولية وكذا مصادقة الجزائر على مواثيق دولية لهذا الغرض، فلماذا يلتف الوزير ڤرين على صلاحيات سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، وهو الذي فشل مع الحكومة في تنفيذ إصلاحات الرئيس، فالمطلوب منه تنفيذ القوانين وليس سنها”. سقطة محامي الوزارة..يمنح قاضي الاستعجال رئيس الجلسة دحمان محمد، كلمة التدخل الأخيرة لمحامي وزير الاتصال، فلا يجد “سوى اتهام دفاع “الخبر” بتسييس القضية، لأن محامي “الخبر” تحدث عن إصلاحات الرئيس في قانون الإعلام”، كما ينزلق من محامي الوزارة نجيب بيطام حديثه في رده “غريب وعجيب”، عندما كان يدافع عن صلاحيات الوزير، فيقول إن: “الوزير كيف له أن لا يتدخل وسلطة ضبط الصحافة المكتوبة غائبة، فمثلا ماذا لو جاء إسرائيلي وأراد شراء صحيفة جزائرية؟”.تنتهي المرافعات بإحالة القاضي الكلمة لمحافظ الدولة (يوازي النائب العام)، فيعطي ملاحظات استشاط لها محامو “الخبر” واعتبروها انحرافا خطيرا، عندما قال: “سيكون هناك إجراء تحفظي (يقصد جلسة النطق بالقرار يوم 15 جوان) ونتمسك بالطلبات المدفوعة في القضية”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: