لا شكّ أنّ القرآن الكريم جاء يخاطب العقلاء من النّاس، الّذين يحسنون استعمال عقولهم، ولهذا ما كذّب به إلّا من انحرف في تفكيره أو انتكس عقله، بل الدّين أساسًا موجّه للعاقلين من البشر فقط، فالعقل أساس التّكليف، فمن فقد عقله رُفِع عنه القلم كما هو معلوم.لا غرو أن عرّف علماؤنا الدِّين بأنّه وضع إلهيٌّ يدعو أصحاب العقول إلى قبول ما هو عن الرّسول، أو وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم إلى الصّلاح في الحال والفلاح في المآل، أو وضع إلهيٌّ سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى الخير باطنًا وظاهرًا.. وكلّها تتّفق على أنّ المعنيَّ به هم أهل العقول فقط!.ولكن إذا نظرنا في القرآن الكريم نجده لا يذكر كلمة ”عقل” هكذا بل نجده دائمًا يذكر ”يعقلون، تعقلون”، ونفس الأمر مع فكر أو تدبّر فهو لا يذكرها إلّا بصيغة المضارع ”يتفكرون”، ”يتدبرون”، وهذا بلا ريب مقصود وله دلالته، ومن هذه الدلالة الّتي نفهمها إيماء من صيغة المضارع: يعقلون ...إلخ هي أنّ العقل إنّما يفيد إذا استعمل وتكرّر وتجدّد استعماله، ذلك أنّ الفعل المضارع يفيد الاستمرار على سبيل التّجدّد، أيّ يدُلُّ على الحركة المتكرّرة المتجدّدة، بدءًا من الحاضر، فتكرارًا في المستقبل كما قرّر ذلك علماء البلاغة.وما فائدة العقل إذا لم يستعمل؟!. وما فائدته إذا لم يشغل باستمرار وتجدّد؟!. وما الفرق بين من له عقل لا يستعمله وبين من لا عقل له؟!.
إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة*
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات