تسابق أمريكي روسي على اقتحام معقل داعش بالرقة

+ -

تحوّلت الرقة، المدينة السورية الصغيرة، إلى نقطة ارتكاز للحرب الدائرة رحاها في سوريا منذ خمس سنوات. وتشكّل معركة الرقة إلى جانب حلب، نقاط الحسم، حسب الخبراء العسكريين الاستراتيجيين، حيث يمكن للمعركتين أن تحدد مجرى ومسار الأحداث المتسارعة على الساحة السورية، ويتضح ذلك جليا من خلال تسابق أمريكي روسي في دعم الحلفاء لاحتلال معقل داعش، في حدث شبهه خبراء عسكريون بمعركة برلين مصغرة، قد تفرز تداعيات بأبعاد متعددة على الساحة السورية. تكمن أهمية معركة الرقة في رمزيتها، حيث تعتبر أول المدن التي سقطت بالكامل بأيدي تنظيم داعش سنة 2013، وفرضت التنظيمات المسلحة سيطرتها وسلطتها دون أن يتمكن النظام السياسي السوري من الاقتراب منها، حيث عمد التنظيم إلى إحداث دولة داخل دولة، في سياق مساعي تشكيل إمارة، أريد لها أن تشمل معظم الأراضي السورية والعراقية، بعد تشكيل ما يعرف بـ “تنظيم الدولة في العراق والشام”، وبالتالي فإن تحرير الرقة سيعني بالضرورة أكبر ضربة توجه للتنظيم، وانحصارا واضحا له في الميدان، خاصة وأنه يأتي بعد تراجعه في مناطق عديدة إستراتيجية، منها المدينة الأثرية تدمر، ومحاور الطرق الإستراتيجية المحيطة بها، التي كانت تتيح السيطرة على خطوط إمداد هامة باتجاه الأردن، ولكن أيضا تركيا.أما العامل الثاني، فهو استراتيجي؛ إذ أن انحسار سيطرة داعش في الرقة، يعني أيضا إضعاف تواجده في عدد من المناطق الهامة مثل دير الزور، وانكشاف دفاعاته ودفاعات تنظيمات أخرى مثل جبهة النصرة، وجيش الفتح وأنصار الشام، وغيرها من التنظيمات التي تلقى دعما من تركيا، ولذلك نسجل تسابقا بين الفاعلين في الساحة السورية على دعم الحلفاء لاستخلاف داعش في الرقة.ففي الوقت الذي كثفت روسيا غاراتها الجوية على مواقع داعش في الرقة ومحيطها لتسهيل مرور القوات البرية السورية، وقوات النخبة من “صقور الصحراء” وحزب الله، سارعت الولايات المتحدة إلى دعم وتغطية تقدم قوات سوريا الديمقراطية التي نجحت في التقدم على عدة محاور على الشمال من الرقة، منها حسن آغا ومنبج المتواجدة على الضفة الغربية من نهر الفرات. هذه الهضبة كفيلة بقطع طرق إمداد داعش باتجاه تركيا. وتسعى واشنطن على ما يبدو إلى ضمان تموقع كردي وبسط سيطرتهم على مناطق واسعة، تمهيدا لتشكيل كيان كردي على شاكلة ما هو موجود في العراق، وهذا السيناريو يخيف تركيا التي لا تقبل به، لذا دخلت أنقرة بدورها على خط المعارك لاستباق الأحداث والتحضير لدخول قوات تركية في مناطق تشكّل فيها “منطقة آمنة وعازلة” ضمانا لمصالحها في الشريط الحدودي، ومنعا لتجسيد سيناريو تقسيم سوريا وفرض أمر واقع لا يخدم أنقرة بالضرورة وترتيباتها الإقليمية، وقد كشفت عمليات إنزال الأسلحة الأمريكية لما اعتبر “قوى معارضة معتدلة في سوريا”، مؤشرا للمساعي الأمريكية الرامية إلى تكريس واقع.وإدراكا لأبعاد مثل هذه التجاذبات، يسابق التحالف الروسي السوري الإيراني الزمن، لتفكيك أحد الألغام التي يمكن أن تفضي إلى انعكاسات سلبية وتغير في الخريطة السورية، لذا قامت القوات السورية وحلفائها بالتقدم بعد الاستيلاء على قرية أبو العلاج والتلال المحيطة بها، على بعد نحو (10 كم) شرق مفرق زكية بريف الرقة الغربي، والسيطرة على محور الطريق السلمية الرقة، مع التركيز على مطار الرقة الذي تعني السيطرة عليه فتح الطريق مباشرة على وسط مدينة الرقة، ما يسمح بالتفرغ لمعركة حلب ودير الزور.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات