إن تسريبات مواضيع امتحان نهاية التعليم الثانوي “البكالوريا” دورة ماي 2016، لا يمكن إلا أن ندرجها ضمن الهزات الارتدادية السياسية والاجتماعية التي تعيشها الجزائر في الفترة الأخيرة، والناتجة عن الصراعات السياسية والإيديولوجية، ومحاولات التموقع في أعلى هرم السلطة، وهذا قبيل أشهر قليلة تفصلنا عن الانتخابات التشريعية والرئاسية. تجاذبات سياسية تحدث هزة ارتدادية في تسريبات بكالوريا 2016أكثر من علامة استفهام تحيط بـ “تسريبات أوراق بكالوريا 2016”، بداية من الطريقة التي تمت بها، وبالنظر إلى الظروف التي سبقتها وردود الفعل التي تلتها، سواء من طرف النقابات والفاعلين في قطاع التربية، أو حتى من طرف الأحزاب والشخصيات السياسية.فبالعودة إلى طريقة تسريب وتوزيع المواضيع، فلقد أحاطت بها العديد من نقاط الظل، منها طريقة توزيعها من طرف أشخاص مجهولين أمام أبواب مراكز الإجراء، وهو ما يؤكد نية المتورطين في أن تصل المواضيع إلى أكبر عدد من التلاميذ المترشحين، ويتداوله العام والخاص.وحتى على صفحات موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”، فإن عملية تداول المواضيع لم تكن مجرد محاولات غش عادية، أو أن المتورّطين مترشحون للامتحان أعجزهم الحفظ والاجتهاد طيلة السنة الدراسية، فلجأوا إلى وسائل أكثر سهولة! حيث أن الصفحات التي تم استحداثها قبل وأثناء انطلاق الامتحانات، لم تكتف بنشر المواضيع؛ وإنما حاولت تمرير رسائل سياسية من خلال تعليقات ساخرة أحيانا، وأحيانا أخرى من حيث تهديد ووعيد مباشر.ولعل صفحة بكالوريا 2016 التي ساهمت بنسبة كبيرة في نشر المواضيع، أكبر دليل على الخلفية الغامضة لهذه التسريبات، فقد حملت سخرية من الوزيرة نورية بن غبريت؛ بل ودعوة إلى ضرورة استقالتها أو إقالتها من الحكومة. كما احتوت تلك التعليقات على تحد صارخ للحكومة وللدولة ومصالح الأمن، في كونهم غير قادرين على احتواء الوضع واكتشاف من يقف وراء الصفحة.أما من حيث الظروف السياسية والاجتماعية التي سبقت التسريبات، فوجبت العودة إلى الحملة التي شنتها بعض الشخصيات والأحزاب والنقابات على شخص الوزيرة نورية بن غبريت منذ توليها القطاع بداية سنة 2014، قبل أن تتسع دائرة منتقديها بعد إعلانها عن تطبيق “إصلاح الإصلاح”، الذي سيتجسد في مناهج الجيل الثاني بداية من بداية الموسم الدراسي المقبل.وبعد “التسريبات”، لم يعد يفصل منتقدي بن غبريت سوى خطوة واحدة للإطاحة بها، وهي التنديد والدعوة المباشرة إلى إقالة المسؤولة الأولى عن القطاع، ولا أدل على ذلك من الحملة التي أطلقوها وأسموها “حملة إقالة بن غبريت” بسبب ما وصفوه بـ “فشلها الكبير” في تسيير القطاع.غير أن “رأس الوزيرة” قد لا يكون السبب الرئيسي لـ “تسريبات بكالوريا 2016”؛ بل قد يندرج ضمن التجاذبات السياسية التي تقع في أعلى هرم السلطة، خاصة وأنه لا يفصلنا عن موعدي الاستحقاقات التشريعية والرئاسية إلا أشهر قليلة.ولا أدلّ على تجاوز “القضية” مستوى وزارة التربية، التناقض الكبير والكيل بمكيالين من طرف بعض الشخصيات والأحزاب السياسية، حيث لا يختلف اثنان على أن “تسريبات مواضيع البكالوريا” ليست إلاّ واحدة من سلسلة فضائح لا نهاية لها كانت بطلتها الحكومة وزراء فيها في الفترة الأخيرة، وهي الفضائح التي كان يمكن أن تسقط رؤوسا ومسؤولين، بل وتجرهم إلى العدالة، على غرار ما يسمي بـ “أوراق بنما” التي هزّت أركان حكومات في مختلف البلدان، لكنها لم تستدع في الجزائر حتى تصريحا جادا من طرف المتورطين فيها، أو تدخلا من طرف المسؤول عنهم، أي رئيس الجمهورية أو على الأقل الوزير الأول!ومن بين “خطايا” الحكومة التي لا تزال تلاحقها أيضا؛ القضية التي رفعها وزير الاتصال حميد ڤرين ضدّ جريدة “الخبر”، التي أجمع المتتبعون لها على أنها “من دون طعم ولا لون ولا رائحة قانونية”!
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات