من الأبواب العظيمة الجارية مجرى الدّروب الّتي لا تضيق عن كثرة جنود الشّيطان، سوء الظنّ بالمسلمين، فإنّ من حكم على مسلم بسوء ظنّه احتقره وأطلق فيه لسانه، ورأى نفسه خيرًا منه وإنّما يترشّح سوء الظنّ بخُبث الضّان، لأنّ المؤمن يطلب المعاذير للمؤمن والمنافق يبحث عن عيوبه. وينبغي للإنسان أن يحترز من مواقف التُّهم لئلاّ يُساء به الظنّ.. فهذا طرف من ذكر مَداخل الشّيطان، وعلاج هذه الآفات سدّ المداخيل بتطهير القلب من الصّفات المذمومة، ولا يتطهّر القلب إلاّ بالصّوم الكامل.. كيف لا والرّسول صلّى الله عليه وسلّم يحثّنا على هذا الدّواء النّاجع قائلا “إنّ الشّيطان يجري في الإنسان مَجرى الدّم، ضيّقوا عليه بالصّوم”. فإذا قلعت من القلب أصول هذه الصّفات، بقي للشّيطان بالقلب خطرات واجتيازات من غير استقرار، فمنعه من ذلك ذِكْر الله تعالى وعمارة القلب بالتّقوى.. فإذا غلب عليه الهوى فإنّه يرفع الذِّكر إلى حواشيه فلا يتمكّن الذِّكر من سويدائه فيَستقرّ الشّيطان في أعماقه ولا تنفعه نصيحة ولا تعويذة.. وقد ورد أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول “يا مقلِّب القلوب ثَبِّت قلوبنا على دينك، يا مُصَرِّف القلوب اصرف قلوبنا إلى طاعتك”، وفي حديث آخر أخرجه ابن ماجه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم “مثل القلب كمثل ريشة بأرض فلاة تقلّبها الرّياح”.واعلم أنّ كلّ عضو خُلِق لفعل خاص، فعلامة مرضه أن يتعذّر منه ذلك الفعل، أو يصدر منه نوع من الاضطراب. فمرض اليد يحول دون بطشها، ومرض العين يمنعها من الإبصار، ومرض القلب أن يتعذّر عليه فعله الخاص به الّذي خُلق لأجله، وهو العِلم والحِكمة والمَعرفة وحبّ الله تعالى وعبادته وإيثار ذلك على كلّ شهوة.فلو أنّ الإنسان عرف كلّ شيء ولم يعرف الله سبحانه وتعالى كان كأن لم يعرف شيئًا. وعلامة المعرفة: الحبّ، فمن عرف الله أحبّه، وعلامة المحبّة أن لا يؤثر عليه شيئًا من المحبوبات، فمن آثر عليه شيئًا من المحبوبات فقلبه مريض، كما أنّ المعدة الّتي تؤثر أكل الطين على أكل الخبز وقد سقطت عنها شهوة الخبز، مريضة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات