إنّ شهر رمضان شهر عظيم تهتف قلوبُ المسلمين لقدومه، وتهتزّ مشاعرهم لأوان مجيئه، فترى لذلك أثرًا في أحوالهم ومنطقهم، فهم يتذاكرون فضائله، ويستعدّون له بصيام أيّام من شعبان، ويستذكرون فقه الصّيام، وغير ذلك من الأحوال، وهذا من حقوق رمضان على المسلمين، فهو شهر تهتزّ لولادة هلاله السّماء، فتُفتَح أبواب الجنّة، وتُغلق أبواب النّار، فكيف لا يتجاوب المسلم مع قدوم شهر رمضان بكلّ أنواع التّجاوب؟ قال عليه الصّلاة والسّلام: “إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ: صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ” رواه الترمذي. إذا كان من الضّروري تهيئة ما يُحيط بنا لاستقبال رمضان، فمن الضّروري المؤكد تهيئة القلب والرّوح لهذا القادم، وذلك بالتّوبة والإقلاع عن الذّنوب، والإقبال على الله، وملازمة المسجد، وافتتاح ختمة من القرآن، والحضور إلى صلاة الفجر، والإكثار من نوافل الصّوم والصّلاة، فإنّ كُلَّ هذا أدعى لأن يُهيئ العبدَ لحُسن استغلال شهر رمضان، أمّا أن يتهاون المسلم في تعبئة مشاعره، وتحفيز همّته، وتقوية عزيمته، حتّى يدخل رمضان، فإنّ ذلك من علامات الخسران، فإنّ مَن كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة، أي من كان استعداده لرمضان بحُرقة، وتشوّقه إليه باستعداد ورياضة نفسية وعملية، قد علم أنّ النّوافل تُنشّط على أداء الفرائض، لا شكّ أنّ أيّامه الأولى تكون مليئة النّشاط، متنوّعة العبادات، أمّا مَن أمهل حتّى يدخل رمضان، وهو مُثقل بالذّنوب والآثام، لم يُعجّل التّوبة، غير نادم على أيّام يقطعها في الفراغ، لا يُبالي بالسّاعات تمضي سُدًى، ولا يدري قيمة النّوافل بين يدي الفرائض، فلا شكّ أنّه سيخسر في اليوم الأوّل، ويخسر في اليوم الثاني، ومن كانت بدايته فاشلة كانت نهايته فاشلة.وحتّى ننشط في عبادة الله تعالى، وحتّى يكون استعدادنا تامًا كاملاً لشهر رمضان، وحتّى نُوفَّق للعبادة فيه والإكثار من أصناف الطّاعات، لا بدّ من التوجّه لله تعالى بالدّعاء، وسؤاله البلاغ وشهود رمضان، ثمّ سؤاله التّوفيق فيه.ممّا رُوي عن السّلف أنّهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يتقبّل الله منهم رمضان، وذلك إذا انقضى، فيبقى أثره فيهم، ثمّ يدعونه ستة أشهر أن يُبلّغهم إيّاه، فهم يُحيون الشّوق إليه كلّ تلك المدّة، ونحن لم يبق بيننا وبينه إلاّ أيّام معدودات، وقد كان عليه الصّلاة والسّلام إِذَا دَخَلَ رَجَب قال “اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَب وَشَعْبَانَ، وَبَارِكْ لَنَا فِي رَمَضَانَ”، وها نحن في شهر شعبان، فلا بدّ من استجماع النية وقد طرق رمضان أبوابنا، والنية أوكد من العمل، فلا بدّ أن يكون للعبد نية خالصة لصوم رمضان والفوز برضا الرّحمن، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول “إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى”، فإن كان للمسلم نيّة حسنة تجاه رمضان وسبقته المنية فاز بأجر نيّته، فإن شهده أُعين فيه وكُتبت له حسنات مُضاعفة، وإن لم تكن له نيّة فسبقت منيّته خسر أجرًا عظيمًا ونال حسرة كبيرة، وإن شهده دون نيّة وُكّل إلى نفسه، فلا بدّ من سؤال الله التّوفيق والإعانة، وسؤاله الصحّة والقوّة، ورجائه طول العمر لأجل هذا الوافد الكريم.فاللّهمّ ارزقنا عمرًا مديدًا، وقولاً سديدًا، وعملاً صالحًا كثيرًا، اللّهمّ أجْزِ لنا العطيّة، وأصلِح لنا النيّة، وأحينا فيه الحياة المرضية.إمام مسجد الرّحمان – براقي
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات