المرأة المعاقة في مواجهة العنف من أقرب الناس إليها

38serv

+ -

لم تشفع لهن إعاقتهن الحركية لمعاملتهن معاملة خاصة وحسنة من طرف أهلهن وأقرب الناس إليهن، مراعاة لشعورهن في ظل ما يواجهنه نتيجة تلك الإعاقة التي حرمتهن من القيام بأبسط الأشياء، ليصطدمن بواقع مر مرارة الحنظل بفعل المعاملة التي يتلقينها منهم، من اعتداء جسدي أو لفظي أثر على نفسيتهن بشكل كبير، وخلق لهن عقدا وأمراضا نفسية عنيفة انتهى بعضها إلى الانتحار كنتيجة حتمية للمعاملة السيئة التي يلقينها من أقرب الناس إليهن بصفة مستمرة. تعاني المرأة المعاقة حركيا والعاجزة عن الدفاع عن نفسها في صمت رغم كل ما تتلقاه من إقصاء وتعنيف أسري، وبلغ بأقاربهن الأمر التخلص منهن بوضعهن في دور العجزة، وكأنهن وصمة عار أو عاهة تسبب لهم الإحراج، محاولين التخلص منهن ونسيانهن وعدم رؤيتهن بالأشهر والسنوات دون إحساس بالذنب تجاههن.“الخبر” حاولت في هذا الصدد التقرب من هذه الفئة الحساسة وإلقاء الضوء عليها، وإظهار مدى تعاستها في ظل القهر والظلم الذي تتعرض له هؤلاء، لاسيما أنهن لم يعدن قادرات على الدفاع عن أنفسهن، فمنهن من ولدت معاقة حركيا، فيما اكتسبت أخريات الإعاقة سواء عن طريق حوادث مرورية أو منزلية، غير أنها تصب كلها في خانة الظلم الاجتماعي الذي لم يعدن قادرات على تحمله.أصيبت بحروق  فاحتضنها الشارعتعيش الفصول الأربعة في العراء، كل من يراها ينفطر قلبه لمشاهدة وضعيتها البائسة، كما تحزن نفسيته للحالة التي تقبع فيها منذ سنوات.. هي شابة في منتصف العشرينات، شقراء، تفادينا ذكر اسمها بطلب من جيرانها، خوفا عليها مما قد يصيبها من أذى في حال وصل مسمع عائلتها أنه تم تناول قصتها. بدأت معاناتها عندما كانت في سن تقارب 13 عاما، عندما أصيبت بحروق خطيرة على مستوي قدميها، بعد أن انسكب عليها إناء ماء جد ساخن، انتهى بإصابتها بحروق أدت إلى إعاقة دائمة.ولأن عائلتها فقيرة تقطن في إحدى المناطق الجبلية بولاية شرقية، وعجزها عن توفير الدواء والعلاج اللازمين، انتهى بها الأمر إلى التصاق قدميها ببعضهما البعض وإصابتها بإعاقة حركية دائمة لازمتها منذ ذلك الحين، ونظير ذلك رفض إخوتها الذكور بقاءها معهم في المنزل ورموها خارجه أمام مدخل الباب، في منظر تبكي له الأعين دما لا دموعا، لتبقى بذلك والدتها المسنة الوحيدة التي تتكفل بقضاء حاجياتها بصعوبة بالغة.حالتها الصعبة زادها فقر عائلتها التي لا تملك في الغالب قوت يومها، فكيف توفر لها الدواء والحفاظات أو تنقلها دوريا لطبيب أو معالج لفحصها أو السعي لإجراء عملية جراحية لفصل قدميها الملتصقتين بفعل عدم مداومة العلاج الطبي واكتفائهم بالعلاج البديل بالأعشاب. ووجد أشقاؤها حلا في “رميها” خارج المنزل لتواجه مصيرها وحيدة في ليالي الشتاء الباردة وحرارة الصيف المرتفعة، ناهيك عن الحيوانات المشردة والحشرات.وقالت إحدى جاراتها لـ”الخبر” إن حالتها لا تسر عدوا ولا حبيبا ووجب التدخل العاجل والتكفل بها، بدل تركها على حالها محرومة من نعمة العلاج، وقد تخلى عنها أقرب خلق الله إليها، ما أدى لتدهور حالتها الصحية والنفسية بشكل مزر، حيث أصبح مماتها خيرا من حياتها، إذ طال بها الأمر وهي تتعذب في صمت أثقل عذابها، مناشدة الجمعيات ووزير الصحة مساعدتها والتدخل المستعجل لإنقاذها.“أمي تشتمني وتنعتني بالمعاقة”بصعوبة بالغة، تحدثت معنا وبمساعدة زوجة أخيها التي سهلت عملية اللقاء بيننا. اقتربت “الخبر” من المدعوة “ج.و” في نهاية العشرينات من عمرها، لم تتوقف دموعها ولو للحظة وهي تروي معاناتها مع أسرتها التي لم تتقبل إعاقتها الحركية. تقول إن شقيقها لم يعد يطيق رؤيتها أو الحديث معها، وكأنها وصمة عار تلاحقه أينما حل، حيث أصبح يضربها في أحيان كثيرة، رغم أن زوجته تحبها وتشفق عليها، مسترسلة في حديثها أنه ومنذ إصابتها في حادث مرور وهي قادمة من دراستها الجامعية، تغير مجرى حياتها بشكل كلي، لاسيما أن شقيقها كان يرفض أن تكمل دراستها واعتبر أن الحادث الذي وقع لها بسبب عنادها وتمسكها باستكمال دراستها.تواصل حديثها بالقول إنها “تعرف أنه لا يقصد من ذلك سواء هو أو أمي التي كثيرا ما تشتمني وتصفني بالمعاقة، ورغم علمي بذلك وأنه لا حول لي ولا قوة أصمت، غير أني لا أنكر أني كثيرا ما أفكر في الانتحار لأن نفسيتي تتقهقر وأحس بالاختناق والرغبة الشديدة في الموت وترك الحياة لمن هم أصحاء الأجساد مرضى النفوس، ثم سرعان ما أتراجع لخوفي من عقاب الله، وأن هناك رحمة من الله تنتظرني نتيجة لصبري”.المسجد ملجأها من الضرباستوقفتنا قصتها الكئيبة وتعاستها الشديدة بسبب الوضع الذي تعيش فيه والمعاملة غير الإنسانية التي تتلقاها من زوجة أبيها وأختها غير الشقيقة لكونها معاقة، تقول صاحبة 21 عاما، يتيمة الأم، إنها تفر من منزلها بصعوبة في اتجاه مسجد الحي، هروبا من الضرب الذي تتعرض له من طرف زوجة أبيها وأختها عير الشقيقة، اللتين يحرمانها من أبسط الأشياء والحاجيات، لاسيما المنحة التي تحصل عليها شهريا، حيث يقومان بانتزاعها منها بالقوة، وفي حال لم تعطهما إياها يقومان بالاعتداء عليها.تذكر أنه في إحدى المرات ضرباها إلى أن ازرقت عينها من شدة اللكم، ناهيك عن تحريض والدها عليها الذي لا يقصر بدوره ويضربها لعدم تصديقه لروايتها، واتفاقهما عليها دون رحمة بتلفيق الأكاذيب والتهم الباطلة.وأضافت أنها باتت تلجأ لمسجد الحي للنوم والأكل بدل التجويع الذي يفرض عليها بمنع الطعام عنها لساعات وأيام، هروبا من هذا العنف اليومي، خاصة أن خالاتها تخلين عنها ونسين أمرها بالمرة، وهو ما ضاعف من ألمها وزاد من معاناتها وحيدة تعيش في غابة من الذئاب تنتظر افتراسها في كل مرة، حسب قولها، داعية الله تخليصها من معاناتها بعدم تركها يتيمة وحيدة تقهرها زوجة أبيها وأختها غير الشقيقة كلما سنحت لهما الفرصة.   

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات