سكان المدية.. رجل في الخيم وعين على البيوت المتصدعة

+ -

تلازم إجبارية الرحيل أذهان أغلبية متضرري الهزات الأرضية المتواصلة منذ العاشر أفريل من سكان المحيط الغربي والجنوبي لسد كدية أسردون، وفي مقدمتهم أكثرهم ضررا سكان بلدية الميهوب والجزء الشرقي من بلدية مزغنة وجهات متعددة من تابلاط أقصى شرقي المدية. لم تفلح بالمستوى المنتظر المساعدات الاستعجالية التي أعلنت عنها السلطات ولا التفسيرات التي كيفها السكان بالميتافيزيقية للمختصين في تهدئة نفوسهم أمام عمق الصدمات النفسية التي أحدثها تكرار وتصاعد تلك الهزات من حين لآخر، وآثارها التي تجلت بمأساوية غير مسبوقة على كبار السن والأطفال على وجه الخصوص.لا شيء بإمكانه التهدئة من روع وفزع سكان الميهوب بعد الآثار العميقة التي تركها زلزال الـ5.4 درجات على سلم ريشتر، الذي هز مضاجعهم بعنف غير مسبوق لديهم منتصف فجر بداية الأسبوع المنصرم، والنوم مجددا بين أسوار ديارهم مخافة الموت والردم المحتملين في أي لحظة بين الأنقاض أمام تكرار الهزات الارتدادية المحسوسة التي بلغت في أقل من 24 ساعة زهاء العشر هزات تراوحت قوتها بين ثلاث وأربع درجات ونصف.أغلبية السكان وضعوا نصب أعينهم البحث عن مأوى بعيدا عن محيط سد كدية أسردون الذي يتهمونه بالتسبب في هز قشرة الأرض تحتهم وتبعا لما لاحظوه من علاقة شديدة الاحتمال بين امتلاء السد بالماء أو إفراغه إلى حد معين وحدوث أو تصاعد شدة الهزات الأرضية.لم تتوقف يوميات زلزال الميهوب عند المحن المعيشية والاجتماعية المـتأزمة يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة عند أكثرهم ضررا فحسب، بل زادتها بلة وأرقا إشاعة أخبار عن تسللات ليلية لعصابات من اللصوص قادمة من ولايات الجوار، بغية السطو على ممتلكات العائلات المتضررة بمنازلها المخلاة، استغلالا لحالة الارتباك السائدة بينها، أو باستغلال رحيل وتشرذم أصحابها عبر مناطق الجوار، وقد بادر أعوان الدرك منذ الوهلة الأولى لهرع السكان إلى خارج بيوتهم إلى تحذير المتضررين بضرورة توخي اليقظة وعدم مغادرة محيط ديارهم، الشيء الذي جعل العائلات تلتزم الحذر بنصب مأوى لها من القش والبلاستيك وأحيانا باستخدام الأفرشة والأغطية وحتى استغلال ما تيسر لهم من فضاءات للمبيت داخل مختلف المركبات ووسائل النقل، في انتظار وصول الخيم التي وعدت السلطات بتوزيعها على الأكثر عرضة للتأزم والذين يبيتون بأطفالهم في العراء بعد إحصاء قرابة الألف بناية موبوءة بأضرار الزلزال.وفي سياق متصل، شهدت نقاط عملية توزيع الخيم التي باشرتها السلطات الولائية أول أمس حالة من الافتتان والتحفظ حول أسبقية وأحقية الاستفادة من تلك الخيم خشية وقوع العملية في شبح الانتهازية وذهابها إلى غير مستحقيها من ذوي الحالات الاستعجالية، فيما قامت عائلات قيل إن عددها فاق المائة بحزم أمتعتها والنزوح والترقب بعيدا عن بلديتها، ليأسها من أي جدوى مثلا من عمليات ترميم منازلها أمام التكرر المخيف للهزات الأرضية، ناهيك عن إصابات بين أفرادها بأمراض مختلفة ناجمة عن المبيت في العراء كالزكام، الإسهال والحساسية وأكثرها المتعلقة بتبعات صدمة الزلزال عند الأطفال.أنباء عن تسريح مياه السد رغم نفي المختصين علاقتها بالهزات الأرضيةوفي خضم حالة من اللاثقة والذهول السائدين، يتداول المتضررون أخبارا يقولون إنها مستمدة من سكان بلديات الجهة الشمالية والشرقية لمحيط سد كدية أسردون، من أن عملية تسريح مياهه للتقليل من حجم امتلائه قد شرع فيها منذ زهاء أسبوعين، بعد إشاعة شبح علاقة ارتفاع حجمها بالهزات الأرضية التي تشهدها المنطقة على مدى قرابة الشهرين، رغم نفي المختصين الذين زار بعضهم المنطقة تلك الإشاعة، واعتبارها مجرد مزايدة. “لن يقنعنا أحد بأن لا علاقة لمياه السد بما يقع من اهتزازات للأرض في منطقتنا، لم نعش مثل هذه الظاهرة من قبل، وحسب علمنا فإن الدراسات تمنع إنجاز السدود في مناطق زلزالية. وفي حالتنا، إما أن الدراسة التي تم إنجاز سد كدية أسردون بناء عليها فاشلة، أو أن ما يقال عن تسبب امتلائه بالماء في حدوث هذه الظاهرة الزلزالية التي تعيشها المنطقة منذ أول هزة في ماي 2013 صحيح”، يقول جامعي من أبناء المنطقة.علماء يميلون إلى علاقة الظاهرة الزلزالية بمياه السدود وآخرون يتحفظون..تبقى حالة اهتزاز الأرض بمحيط سد كدية أسردون مثارا لجدل عامي أو علمي، وهي ظاهرة ليست وليدة اليوم أو مقتصرة على بعض سدود الجزائر، فقد شهدتها عدة مناطق من العالم وتاهت تفسيراتها بين الإقرار والتحفظ والنفي عند خبراء الجيوفيزياء وعلوم الأرض وأخصائيي الدراسات الجيوهيدروليكية.

ففي مصر  مثلا، عاش سكان محافظة أسوان نفس الرعب مع بلوغ امتلاء السد العالي بمياه نهر النيل أعلى مستوياته سنة 1978 ووقوع سلسلة من الهزات كانت أقواها يوم 14 نوفمبر 1981 بشدة 5.6 على سلم ريشتر، لتميل بعدها عدة دراسات نحو الربط بين مياه السد ووقوع تلك الهزات الأرضية بمحيطه كالدراسة التي دونت بعنوان “السدود والهزات الأرضية” لصاحبها محمد مكاوي.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات