درس في "أخلاقيات المهنة" بمحكمة بئر مراد رايس

38serv

+ -

رفع قاضي محكمة بئر مراد رايس بالجزائر العاصمة، أمس، الجلسة محددا منتصف شهر جوان الجاري موعدا للنطق بالحكم، في الدعوى التي رفعتها الأمينة العامة لحزب العمال، السيدة لويزة حنون، ضد جريدة “النهار”.حيثيات الدعوى تعود إلى تحقيق نشرته ذات الجريدة، عنونته في صدر صفحتها الأولى “هذه لويزة حنون البورجوازية”، متضمنا وقائع أنكرتها الشاكية جملة وتفصيلا، معتبرة إياها تجريحا وقذفا ومساسا بشرفها وشرف عائلتها. من جانبه، تمسك محرر “النهار”، وهو يرد على أسئلة رئيس الجلسة، بأقواله، نافيا عن نفسه التهمة الموجهة إليه، في الوقت الذي غابت المديرة العامة للجريدة عن الجلسة.وجرت الجلسة، التي دامت أكثر من ساعتين، في جو مكهرب، خاصة بعد وصول المتهم متأخرا عن موعد الجلسة، ومع ذلك وافق رئيسها على حضوره “تفاديا، حسب قوله، لاتهامنا بحرمانه من الدفاع عن نفسه”. واستهلت المحاكمة بطلب القاضي من السيدة حنون تقديم مضمون شكواها ودوافعها، فاسترسلت في شرح ما وصفته بأنه مساس خطير بحرية التعبير وبشرف مواطنين نزهاء وشرفاء، مؤكدة أن “النهار” “تتهجم عليها” ووصل بها الحد إلى نشر مقال يتهمها بالبورجوازية والفساد وممارسة النفوذ والثراء غير المشروع.وشددت حنون، أمام القاضي، وبحضور فريق دفاعها المكون من المحامي الأستاذ مقران آيت العربي، والمحامية الأستاذة مسعودة علواش، على أنها “لو كانت القضية متعلقة بحرية التعبير وانتقاد لمواقفي الحزبية والسياسية، ما كنت ماثلة أمامكم اليوم، لأنني من المدافعين عن حرية التعبير والصحافة وقدمنا لأجل ذلك الثمن، لكن الأمر خطير جدا ويتعلق بالتجريح والقذف والمساس بشرف عائلة بأكملها”.وتابعت أنها “لا تعرف الصحفي كاتب المقال وليس لديها أي مشكل شخصي معه، لكن من حقي أن ألتمس من عدالة بلدي إنصافي فيما تعرضت إليه من ظلم هذه الجريدة، خاصة وأن كل ما ورد في ما نشرته باطل وغير مؤسس وتلفيقات”. كما اغتنمت زعيمة حزب العمال المناسبة لتؤكد أن “ما نشرته الجريدة طال صهري وشقيقي وقياديين في الحزب، وكلها افتراءات”، مشيرة إلى أن محكمة عنابة أنصفتها وعائلتها قبل أيام في قضية مماثلة ضد نفس الجريدة.وفي معرض رده على أقوال الشاكية، أنكر المتهم الأفعال المنسوبة إليه، وبرر ما كتبه باعتماده على تصريحات النائب بهاء الدين طليبة لقناة “النهار تي في”، والتي تضمنت اتهامات لحنون وعائلتها بالثراء غير المشروع وممارسة النفوذ، مضيفا في هذا السياق بأنه “كصحفي قام بالتحقيق المنشور في الجريدة”، حيث قدر بأنه “لا يعتبره قذفا ولا مساسا بالشرف لأنه مبني على أدلة قانونية”.وتابع أن بحوزته “تسجيلات لمكالمات هاتفية” أجراها خلال إنجازه لتحقيقه للتأكد من صحة المعلومات التي كان يملكها”، وهو ما دفع بالمحامي آيت العربي للتدخل ويطلب من رئيس الجلسة تسجيل هذا التصريح، معتبرا إياه مخترقا للحياة الخاصة للأفراد، لأن القانون يحرم إجراء أي تسجيل صوتي أو هاتفي دون إذن مسبق من المعني. وهو ما وافق عليه القاضي، الذي انتقد المتهم كونه “لا يتحكم في أقواله ويتكلم في مواضيع لا علاقة لها بالقضية”.درس في أخلاقيات الصحافةلم تكن جلسة أمس مجرد محاكمة، فقد تلامست فيها الشؤون القانونية مع حرية التعبير والصحافة بشكل كبير.. بل كانت فرصة للمحامي آيت العربي لتقديم درس في أخلاقيات الصحافة وحدود حرية التعبير. وفي هذا الخصوص، شدد آيت العربي أنه “من المدافعين مجانا عن الصحافيين عندما يجرون إلى العدالة في قضايا تخص حرية التعبير، لكنه يقف اليوم مدافعا عن رئيسة حزب لأنه لا يقبل أن تستغل هذه الحرية للمساس بالحياة الخاصة للمواطنين وشرفهم.. إن حرية الصحافة تعني أولا أن يعي الصحافي بأن للتحقيق الصحفي قواعده، فهو (أي الصحافي) ليس قاضيا، ولا يحق له اتهام أحد، ولا يحق له إصدار الأحكام على الغير، وأن يكون عمله تحقيقا حول وقائع”.وواصل آيت العربي مخاطبا المتهم والحضور الذين اكتظت بهم قاعة الجلسات: “للأسف، وضعنا يشبه كثيرا وضع من يملك سيارة رباعية الدفع، لكنه يقف خلفها محاولا قيادتها بعصا”.بالنسبة إلى محاميي حنون، الأستاذ مقران آيت العربي وزميلته مسعودة علواش، فإن أركان تهمة القذف متوفرة، مستدلين بمقتطفات وعبارات صنفاها تحت طائل التهمة المذكورة، قبل أن يلتمسا من رئيس المحكمة رد الاعتبار لحنون بإصدار حكم بتعويض بقيمة واحد دينار رمزي، وبإلزام جريدة “النهار” بنشر منطوق الحكم في صفحتها الأولى، وفي ثلاث يوميات أخرى هي “الخبر” و”الوطن” و”ليبرتي”، بينما التمس دفاع المتهم البراءة للصحفي “ب. ك”، لترفع الجلسة بعدها. وفي بهو المحكمة، صرحت الشاكية، أمينة حزب العمال، بأنها “تلتمس من عدالة بلدي إنصافي ورد الاعتبار لي ولعائلتي”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات