يلاحظ إسماعيل لالماس، الخبير في الاستشارة الاقتصادية ومرافقة المصدرين، أن تدخل وزير الاتصال في صفقة “الخبر” - “ناس برود”، أخرجها من طابعها التجاري فحولها إلى قضية سياسية. وقال في مقابلة مع “الخبر”، إن القانون إذا كان يمنع المستثمر من شراء مؤسسات إعلامية، ينبغي أن يسري المنع على كل المستثمرين. وينتقد بشدة “الحلول الترقيعية السطحية” للأزمة المالية، التي يقول إنها لا تخيفه بقدر ما يخيفه عجز الحكومة عن إيجاد حلول لها.هل تتفق مع من يقول إن عدم وجود رؤية لحل الأزمة المالية سببه حالة شغور في السلطة؟ الفراغ في الحكم الذي نشعر به اليوم، لا يبعث على الاطمئنان بالنسبة للمواطن ولا المستثمر الأجنبي. الشغور في السلطة، كما تسميه أنت، يعطل وتيرة النمو ومشاريع الاستثمار. لما تتوفر في البلاد خطة واستراتيجية وديناميكية، ذلك يشجع على جلب الاستثمار. ولكن الشغور في السلطة ليس الخطورة الوحيدة التي تواجه البلاد، فتبادل الشتائم بين قادة الأحزاب والسياسيين يعكس حالة الوهن الذي تعيشه الطبقة السياسية. وألاحظ بمرارة أن الحكومة بكاملها بدل أن تركز مجهودها اليوم على حل مشاكل البلاد، تهتم بإبطال صفقة عقدها مجمع إعلامي مع رجل أعمال جزائري.. هذا أمر غير مقبول.أنت تشير إلى أزمة “الخبر”. من موقعك ناشطة في مجال الاستشارة الاقتصادية، هل تعتقد أن النزاع المطروح أمام القضاء الإداري، تجاري بحت؟ لو كانت القضية تجارية لما تدخل عضو من الحكومة فيها. في هذا البلد توجد قوانين تضبط هذا النوع من الصفقات، فإذا كان القانون يسمح للمستثمر بأن يشتري مؤسسة إعلامية، فلماذا نضع أمامه العراقيل؟ أما إذا كان القانون لا يسمح، فالمنع يجب أن يسري على جميع الناس، لأن مصداقية القضاء تكمن في تطبيق القانون على الجميع.قضية “الخبر” تم تضخيمها وإعطاؤها بعدا سياسيا. اليوم تتحدث الحكومة عن تحسين مناخ الأعمال في الجزائر، وقد عقد مؤخرا منتدى جزائري بريطاني بفندق الأوراسي، والطرفان تحدثا عن مناخ الاقتصاد، وشدد الجانب البريطاني على تحسين ظروف الاستثمار في الجزائر، لاستقطاب رجال الأعمال البريطانيين. تصور أنه في نفس الوقت وفي نفس المكان، تعرض أحد أكبر المستثمرين في الجزائر للطرد من الفندق. أنا ليست لي علاقة بهذا الرجل (إسعد ربراب)، ولكن ما حصل له لا يعطي إشارات إيجابية للمستثمر الأجنبي ولا حتى المحلي. للمستثمر في البلدان المتقدمة قيمة كبيرة، والمسؤول السياسي فيها تحت خدمته، بينما في الجزائر يتشبث رجل الاقتصاد بخدمة رجل السياسة.إنني أأسف فعلا لما تتعرض له “الخبر”، وأنا معروف عني أنني أساند الصحافيين بحكم أنهم دفعوا ثمنا غاليا في أزمة التسعينات، ولا يمكن أن نسيء لهم بعد كل التضحيات التي قدموها، ومن واجب الحكومة أن تعاملهم باحترام، ومن واجبنا جميعا مرافقتهم لتعزيز حرية التعبير والديمقراطية، لأن ذلك من وسائل تطوير الاقتصاد وطمأنة المستثمرين.صرح سلال أن الجهاز التنفيذي متحكم في الوضع جيدا، مهونا من وطأة الأزمة المالية. هل ما يقوله صحيح؟ هذا الخطاب هو محاولة لطمأنة الشعب، ولكن على عكس ذلك نجد وزراء يصرحون بأننا في وضع مزر، والأرقام تقول إن وضعية صندوق ضبط الإيرادات واحتياطي الصرف سيئة للغاية، وانطلاقا من هذا نفهم أن كلام الوزير الأول وبعض المسؤولين هو تغليط كبير.اليوم صندوق ضبط الإيرادات فارغ، واحتياطي العملة الصعبة ينذر بتراجعه إلى 100 مليار دولار بحلول آخر العام. نتحدث عن عجز في الميزانية بحوالي 7,5 مليار دولار في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2016، ورغم هذه الوضعية السيئة يزعمون أنهم يتحكمون في الوضع !!، أنا أقول لا، هذا غير صحيح، فالوضع خطير، ولكن لا تخيفني الأزمة المالية بقدر ما يخيفني عجز الحكومة عن تقديم أجوبة لمعالجتها.بدأت الأزمة أواخر 2014، ولكن بوادرها ظهرت في 2013 وكانت متوقعة منذ 2012، ولكن الحكومة لم تبادر بأي شيء في ذلك الوقت لتفاديها، فهي لم تفعل شيئا في 2014 ولا في 2015 لمعالجتها، وسينجر عن ذلك أن عام 2016 سينتهي بعجز قيمته 30 مليار دولار. أمام هذا أظن أن خطاب المسؤولين لا يفيد في شيء، لأن الواقع الاقتصادي يقول عكس تطميناتهم.رافع الوزير الأول في تيزي وزو، أول أمس، ومن جديد، لصالح ما يسمى تنويع الاقتصاد للتخلص من التبعية للمحروقات. هل ترى وجود خطة لتنويع الاقتصاد؟ للأسف ذاكرتنا ضعيفة، لأن خطاب التنويع يجري ترديده منذ سنوات، فقد تحدث عنه رئيس الجمهورية وكل رؤساء الحكومات السابقين، فأين هو التنويع؟ اليوم نتحدث عن التصدير خارج المحروقات.. التصدير في حد ذاته شكل اقتصادي. بلدنا مبني على اقتصاد الواردات منذ سنوات طويلة، واليوم مطلوب التخلص من هذا النمط والانتقال إلى اقتصاد الصادرات. ولكن هذا التغيير لا يمكن أن ننتقل إليه بنفس الأفكار ونفس الوسائل ونفس نمط التسيير وبنفس الأشخاص، والفوضى في طريقة العمل.. هذا مستحيل.الرياضة التي تتقنها الحكومة اليوم هي ترقب هلال البترول، ينتظرون فقط متى يرتفع سعره في غياب مشروع حقيقي للخروج من اقتصاد الريع النفطي. الحكومة لم تقدم بوادر شكل جديد للاقتصاد. لا توجد خطة ولا أية رؤية للاقتصاد، كل شيء مبني على الكذب والتزييف. هذه الحكومة لا تملك أية مصداقية.أعطيك مثالا على التخبط وعدم وضوح الرؤية. الوزير الأول يقول إننا لن نستدين من الخارج، بينما يذكر وزير المالية أن الاستدانة واردة، ما هذا التناقض وغياب التنسيق؟ ! يبدو لي شخصيا أنه توجد عدة حكومات في هذه الحكومة، ولكن لا شكل الطاقم ولا الأشخاص الذين فيه ولا المنهجية المتبعة، تسمح بتقديم حلول لمشاكلنا الاقتصادية.نحن لا نعاني في الواقع من أزمة اقتصادية وإنما من أزمة ناتجة عن انعدام الثقة، وأزمة نمط اقتصادي. لو كانت أزمة مالية فحلها بسيط يكون بتوظيف 100 مليار دولار المتوفرة في خزائن الدولة. نمطنا الاقتصادي لا شكل له، سوى أنه مرتبط بثروة لا نتحكم لا في سعرها ولا في كميتها ولا في ديمومتها.هل هي أزمة رجال أيضا، يملكون القدرة على إيجاد حلول للمشاكل؟ لا. الكفاءة متوفرة في الجزائر ولكنها وضعت على الهامش. معيار اختيار المسؤولين والأشخاص الذين يسيرون الملفات والقطاعات مبني على معايير أخرى ما عدا الكفاءة. حتى المشاريع والصفقات التي أبرمت، تمت وفق معيار سياسي وليس اقتصاديا، وأفضل مثال على ذلك مصنع”رونو” للسيارات، الذي لا تجني منه الجزائر أية فائدة. 90 بالمائة من أجزاء سيارة “رونو” مستوردة، ونسبة الإدماج ضئيلة جدا، إذ لا تتعدى 12 بالمائة. المعايير الدولية الخاصة بالمنتوج المصنع في البلد، تفيد بأن المنتوج لا يمكن أن يكون محليا، إذا نزلت نسبة الإدماج تحت 40 بالمائة.هل العمل برخص الاستيراد، خاصة ما تعلق بنشاط استيراد السيارات، يمثل حلا لتقليص فاتورة الواردات؟ كان الحديث في البداية عن 20 منتوجا معنيا بهذه الرخص، ثم تقلص إلى 15 وبعدها 13 ثم 11 والآن 3 منتوجات فقط، هي السيارات والحديد الخرساني والإسمنت، وتمثل مجتمعة قيمة استيراد 6 مليار دولار، بينما واردات الجزائر سنويا تفوق 60 مليار دولار. غير أن تقليص استيراد الإسمنت بدعوى قرب انطلاق عمل مصانع إنتاج محلية، أفرز تذبذبا خطيرا في السوق، فالجميع لاحظ الارتفاع غير العادي لسعر الإسمنت، كل ذلك من أجل تقليص بقيمة 500 مليون دولار من واردات الحديد والإسمنت فقط. هل هذا حل للعجز في الميزانية؟ طبعا لا.الحل الثاني الذي اهتدوا إليه بعد رخص الاستيراد، هو تخفيض قيمة الدينار. وهذا الحل يحمل مخاطر كبيرة على القدرة الشرائية للمواطن ويزيد من معدل التضخم، لأن اقتصاد البلد كله مبني على الاستيراد، و70 بالمائة من الاستهلاك وسط العائلات الجزائرية يأتي من الاستيراد. وحتى المؤسسات تستورد مادتها الأولية من الخارج.ماذا تقترح الجمعية الوطنية لمستشاري التصدير التي ترأسها، كحل للأزمة؟ نحن نطالب بتشخيص عميق لأوضاع البلاد، بدل التسرع في اتخاذ تدابير وحلول ترقيعية مثل رخص الاستيراد وتخفيض قيمة العملة. حاليا تستعمل الحكومة لمسات علاجية بسيطة على جرح غائر تسبب فيه قضيب حديدي صدئ، بينما المطلوب هو التداوي بالتيتانوس. فالمريض، وهي الجزائر في هذه الحالة، سيصاب بالحمى ويزداد جرحه خطورة. أزمة عميقة مثل التي نعيشها، لا يمكن علاجها بإجراءات سطحية.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات