+ -

ظلت صورة وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريت وهي تطلق وعيدها بمعاقبة التلاميذ الذين يحاولون الغش أثناء اجتياز امتحان شهادة البكالوريا، وتسخير “ترسانة” من الأجهزة للتشويش ووضع حراسة مشددة، عالقة في أذهان كل المرشحين وهاجسا حوّل شهادة البكالوريا في نظر التلاميذ إلى حدث هام يصاحبه الخوف والأرق والتوتر، وأدخل الكثير من التلاميذ في حالة نفسية صعبة قد تنتهي بانهيار عصبي، حسب التلاميذ وأوليائهم. في محيط ثانوية الثعالبية انقسم التلاميذ إلى مجموعات.. ملامحهم تعكس لهفة كبيرة لمعرفة ما إن كانت إجاباتهم صائبة أم خاطئة، حاملين أوراق الامتحان بأياد مرتعشة ويناقشون إجاباتهم ثم تقييمها لحساب معدلاتهم التقريبية في ما بعد.. أما فيما يخص الجو داخل الأقسام، فوصفه تلميذ ينتمي في الأصل إلى ثانوية القبة بأنه لا يساعد على الإجابة بتأن، كونه مضغوطا بحراسة مشددة وسبقته إطلالات الوزيرة بن غبريت بمفردات الوعيد إلى جانب تركيز الكثير من وسائل الإعلام على هذا الموضوع، بينما من المفترض أن يكون عاديا بعيدا عن التهويل.حيرة الأولياءرغم أن السيد سالم الذي رافق ابنته لاجتياز الامتحان بثانوية الثعالبية بحسين داي في العاصمة كان مبتسما ومنشرح الوجه حين اقتربنا منه وأفصحنا له عن صفتنا وموضوع أسئلتنا، إلا أنه كان يخفي داخله قلقا وخوفا كبيرين على وضعية ابنته، وبمجرد أن تطرقنا إلى الشق النفسي عند التلاميذ في ظل إجراءات منع الغش واستعمال أجهزة للتشويش إلى جانب الحراسة المشددة، رد واصفا “ابنتي إحدى ضحايا هذه الحملات التي تطلقها الوزارة لمحاربة الغش، حيث أضحى الامتحان في نظرها شبحا يهدد مصيرها وأدخلها في حالة نفسية صعبة، خاصة أنها حرصت على متابعة الأخبار المتعلقة به وتوصيات الوزارة بشأنه”.واصل المتحدث كلامه متحسرا “صارت بن غبريت ووعيدها حديث الكثير من التلاميذ خلال تجمعاتهم أثناء المذاكرة والمراجعة أو خلال فترات الراحة، وهو ما يضخم من قيمة الحدث ويجعله كبيرا في أذهان التلاميذ، ما يسمح بنشوء حالة الخوف التي تعيق المترشح عن استحضار المعلومات”.تحذيرشبه إسلام القادم من ثانوية الأخوين حامية بالقبة لاجتياز امتحانه بثانوية الإدريسي حال التلاميذ بالسجناء، يجدون البواب في المدخل يرميهم بنظرات تنم عن صرامة ويأمرهم بترك الهاتف النقال على الطاولة، ثم يتحركون صوب الأقسام تحت أعين المنظمين، وما أن يحجزوا مناضدهم حتى يلتف حولهم طوق الأساتذة الحراس “لتلاوة” عليهم اللوائح وقوانين اجتياز الامتحان بصوت عال وبنبرات التحذير..قاطعه أحد الأصدقاء مجيبا عن سؤالنا حول الإحساس الذي ينتابه وهو تحت الحراسة المشددة قائلا: “عندما نسمع تصريحات الوزيرة والإجراءات الصارمة التي تصاحب هذا الامتحان لمحاصرة “نشاط” التلاميذ الذين يستعدون للغش، يأخذني خيالي إلى السجون ونظامها الداخلي، وينتهي تفكيري إلى أن القائمين على تسيير هذه الامتحانات يفكرون بعقلية أمنية ويعتقدون أن الكل غشاش، وهو ما يؤثر على أعصابنا ويجعلنا نركز ونتابع هذه الممارسات بدل التفكير في الإجابة، حيث نجد صعوبة في الشروع في الإجابة”.ثانوية الإدريسي بحي أول ماي وسط العاصمة تنتصب على مقربة من حي بلكور الشهير وغير بعيدة عن أحياء الجزائر الوسطى، فتحت أبوابها بعد ساعتين من بداية الامتحان، أول أمس، وخرج التلاميذ تباعا ليتوقفوا أمام المدخل يسألون بعضهم عن الإجابات الصحيحة وما يجب أن يكون لتقييم أنفسهم.وعن حالاتهم النفسية، قال عبد الغني وزهير ومجموعة من زميلاته المنتمين إلى ثانوية عمر بن الخطاب بحي ساكري كور، إن ضغط الامتحانات لا مفر منه بحكم التهويل الذي يصاحبه، إلى جانب وصايا الأهل وكثرة الحديث عنه، ليكتسب في النهاية قيمة ضخمة تجعلهم يخشون من المستقبل بينما هو امتحان كباقي الامتحانات وربما أكثر سهولة.الحياة ليست بكالورياوفي جولة حول مراكز اجتياز الامتحانات، استوقفنا تلاميذ توحي طريقة حديثهم بأنهم يتعاملون مع الأمر بروية واستطاعوا تجاوز “بسيكوز” البكالوريا بثانوية ديدوش مراد بحي لا كونكورد، تاركين الأمر للقدر، مكتفين بالتعويل على ما لديهم من معلومات، واحتكموا إلى عقولهم وتناسوا كلية فريق الأساتذة الحارسين وتهديدات بن غبريت، وقالوا إن امتحان البكالوريا في الجزائر يتخذ قيمة أكثر منه بل أضحى الكثير يضعه في مستوى واحد مع الحياة، إن لم يفز به فإنه خسر دنياه، في حين يوجد في الحياة مجالات أخرى يمكن لهم الإبداع فيها كالرياضة والفنون.رئيس الاتحاد الوطني لجمعية أولياء التلاميذ، أحمد خالد“على الأساتذة المراقبين توفير جو عائلي للممتحنين”أكد رئيس الاتحاد الوطني لجمعية أولياء التلاميذ، خالد أحمد، أن قمع الغش في البكالوريا أمر ضروري من أجل إثبات مستوى الممتحنين وللحصول على نتائج ذات مستوى “والدليل أننا باركنا عملية وضع أجهزة التشويش بمراكز الامتحان من أجل القضاء على عمليات الغش عن طريق تقنية الجيل الثالث، لكن هذا لا يمنع من توفير جو مريح للممتحنين وهنا على الأساتذة المراقبين ومديري المراكز تجنيد أنفسهم من أجل مساعدة التلميذ الممتحن على اجتياز امتحانه بكل سهولة من خلال المعاملة الحسنة والرفق”، يقول محدثنا.وتطالب جمعية أولياء التلاميذ الوزارة الوصية بضرورة تطبيق أساليب تربوية جديدة وصحيحة من شأنها أن تشعر الممتحنين بالأمان والراحة خلال فترة اجتيازهم لامتحاناتهم، كما يجب تأهيل المراقبين على التكفل التام بالممتحنين والتحاور معهم، فزيادة على الضغط النفسي الذي يطبع حالة المرشحين ومرحلة المراهقة التي يمرون بها، يجدون أنفسهم أمام حالة حراسة قصوى يمكن أن تؤثر على نتائجهم.لذلك، على الطاقم القائم بمركز الامتحان التكفل التام بهذه الشريحة وتوفير جو عائلي داخل المركز، من شأنه أن يشعر الممتحنين بالراحة ويحسن نفسيتهم.مسؤول بنقابة “الكناباست”، مسعود بوديبة، لـ”الخبر”“القائمون على وزارة التربية روجوا لحملة تخويف”أكد المكلف بالمجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس للقطاع الثلاثي للتربية “كناباست”، مسعود بوديبة، أن المرشحين لبكالوريا 2016 ضحايا “حملة تخويف” سوق لها إعلاميا القائمون على وزارة التربية لردعهم عن الغش، لكن نتائجها كانت سلبية على التلاميذ.وأبرز مسعود بوديبة، في تصريح لـ”الخبر”، أن الامتحان يفترض أن يمر في أجواء هادئة بعيدا عن أي مؤثرات خارجية يمكن أن تحول دون تركيز التلاميذ، موضحا “لا ينبغي أن تأخذ أجواء الامتحان طابع الريبة والحذر من المرشحين وكأنهم مجرمون يجب الحذر منهم”. واعتبر المتحدث حالة الخوف والضغط والتوتر المسيطرة على المرشحين والتي برروها بالحراسة المشددة، أنها إحساس نفسي يقف خلفه القائمون على وزارة التربية “فهؤلاء سوقوا طيلة السنة لفرضية أن كل التلاميذ غشاشون، عبر حملة تخويفية، حيث تم تحذيرهم بعقوبات ردعية، وهذا أثر نفسيا على التلاميذ المقبلين على اجتياز الامتحان، والحقيقة أن قلة قليلة من التلاميذ يغشون وليس الجميع”. وطمأن مسعود بوديبة المرشحين بخصوص الأساتذة الحراس، ودعاهم إلى أن يضعوا في أذهانهم بأن وجود الحراس في القسم فقط لتأمين الأجواء المناسبة لهم حتى يركزوا في امتحانهم ويجتازوه في أحسن الظروف بعيدا عن القلق والتوتر وأي مؤثرات خارجية يمكن أن تحول دون ذلك. وأضاف المتحدث: “حتى بالنسبة للتلاميذ الغشاشين، مهمة الأستاذ الحارس هي إبعادهم عن القسم لضمان الجو الهادئ بالنسبة للبقية، وليس ترهيبهم”.أستاذ علم النفس، سعيد بلحيمر“تشديد الإجراءات يدمر الرصيد المعلوماتي والفكري للممتحن”وصف الأستاذ المختص في علم النفس، سعيد بلحيمر، الإجراءات المشددة التي صاحبت امتحانات شهادة البكالوريا دورة 2016 بـ”المبالغ فيها”، وذلك بعد اطلاعه على مدى التأثير المباشر للقواعد البيداغوجية على نفسية الطالب وعلى استعداده الذهني بشكل خاص.“ورغم أن ما أقدمت عليه وزارة التربية الوطنية له مبرراته بالعودة إلى معطيات سابقة” من منظور محدثنا، إلا أن ذلك لا يجب أن يكون على حساب التوازن النفسي للتلميذ الممتحن “الذي عادة ما يحتاج خلال هذا النوع من المناسبات إلى فضاء آمن وأجواء من شأنها أن تسهل من مهمته في التجاوب الجيد مع الأسئلة، وبالتالي فسح المجال أمام المردودية الفكرية، على خلاف ما تم اعتماده مؤخرا من إجراءات”.وحسب محدثنا، فإن “التدابير المتخذة من شأنها أن تساهم بشكل فعال في “تدمير” الرصيد المعلوماتي الذي عمل التلميذ على جمعه طيلة موسم دراسي كامل خلال فترة وجيزة، كما أن الحراسة المشددة المحيطة بالممتحنين تبقى كفيلة بتوليد الشكوك والتردد وجعل الارتباك السمة المسيطرة على أذهان هؤلاء، وهو ما لا يصب تماما في مصلحة أبنائنا”، يقول الأستاذ سعيد بلحيمر الذي اعترف بتقديمه للعديد من التحفظات بخصوص ما تم تحضيره سابقا من إجراءات تحسبا لدورة بكالوريا 2016. ويرى محدثنا أن الجو العام السائد وسط غرف الامتحانات كفيل بفسح المجال أمام طفو إسقاطات سلبية كإحساس الممتحن بأنه مراقب من الكل وبأن الكل ضده “وهي نقطة كفيلة بجعل التلميذ ينهزم ذاتيا قبل أن ينهزم على الورق، الأمر الذي من شأنه أن يساهم في الرسوب في آخر المطاف”، مشيرا إلى الفوارق الكبيرة المسجلة بين ما هو معمول به عندنا والإجراءات المتفق عليها في البلدان المتقدمة، والتي عادة ما تخضع قبيل إدخالها حيز التطبيق لدراسات معمقة ومن كل الجوانب خدمة للعلم والتلميذ على حد سواء.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات